صور ـ آمال خليلقبل شهرين، عرض سفير الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة، زلماي خليل زاد رؤيته للشرق الأوسط الجديد في محاضرة دعا خلالها إلى محاكاة النظم التي يتبعها الخصوم في المنطقة، الذين يتمتعون بشبكات محلية، يجب دعم المنظمات غير الحكومية، وخصوصاً أن المنظمات المناوئة للولايات المتحدة تبقى أكثر تأثيراً في الانتخابات التشريعية ».
كلام خليل زاد يشير إلى أن لبنان أصبح أكثر من أي وقت مضى تحت المجهر الدولي، وخصوصاً بعد عدوان تموز الذي شرّع الأبواب لمئات الهيئات الدولية التي تنفّذ مئات المشاريع والخدمات التنموية مباشرة أو عبر الجمعيات المحلية. وقد ركّز كثير منها على استهداف النساء الجنوبيات في شتى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ على غرار الوعد الذي قطعته نائبة وزير الخارجية الإيطالي السابقة باتريسيا سانتي نلي خلال زيارتها للجنوب في كانون الثاني الفائت، بأن تحظى النساء أولاً باهتمام المشاريع التي تموّلها الحكومة الإيطالية، وخصوصاً برنامج روس.
الجنوبيات أولاً
إذا كان السؤال: «ماذا يريد العالم من المرأة الجنوبية؟» مناسباً، فإن السؤال الأنسب: «ما الذي تريده هي منه ومما يوفّره لها بسخاء وعلى طبق من ألماس؟».
خلال العام الأول الذي أعقب عدوان تموز، استحدثت في معظم قرى المواجهة والمقاومة مراكز تثقيفية وتدريبية للنساء، تستخدم مقارّ دائمة للمشاريع التنموية المستدامة أو دورات التدريب التي شرعت بتنفيذها الهيئات الدولية والمحلية منذ شهرين، على غرار مشاريع الدعم للمزارعين والمزارعات وللتعاونيات الزراعية التي تقدّمها منظمة العمل الدولية و UNDP والدورة التدريبية للرائدات المحليات في قضاء صور التي تنفّذها حالياً «جمعية تنظيم الأسرة» في العباسية بدعم من الصندوق الكندي وتمويل من «أوكسفام كيبيك»، لإعدادهن ثقافياً لتوعية النساء على أخطار الإيدز.
كثيرات هنّ النساء اللواتي يشاركن في ما يُنَظَّم في القرى، وخصوصاً أن جغرافية هذه المشاريع تصيب هدفها بشكل كبير في ظل الحرمان المزمن في قرى الجنوب. تقول إحداهن إنه «بفضل العدوان نعيش ترفاً لم نحلم به في السابق. فقد أصبح بمتناول أيٍّ منا أن تتعلم لغات جديدة واستعمال الكمبيوتر وتحظى بوسائل المعرفة، ما يغيّر في نظرتنا إلى الأشياء ونظرة المحيط إلينا، وخصوصاً في ظل صعوبة ترك القرية لمتابعة الدراسة في الجامعة في بيروت وندرة فرص العمل حيث نعيش».
السيدات والأخوات وما بينهن
لا تهتم فدوى (35 عاماً) كثيراً بالجهة الممولة لدورة الكمبيوتر التي التحقت بها في البلدة حيث تعيش. ما يهمّها هو الفرصة التي حظيت بها للمعرفة والتسلية «عوضاً عن تعداد الساعات التي تمضي من دون طائل». لكنها تدرك أن الأموال الطائلة التي تنفقها بعض الحكومات ووحدات اليونيفيل والمنظمات الدولية «ليست كرمى لعيونها»، لكنها استغربت الدعوات إلى مقاطعتها، داعية إلى «الاستفادة من خيرها في غياب الدولة، مع التمسك بالمبادئ الثابتة التي لا نحيد عنها نحن الجنوبيات ونرضعها لأولادنا، لأننا نملك الوعي الكافي الذي يجب كذلك ألا يمنعنا من الاستفادة والتطور».
يُجمع كلٌّ من علي عز الدين، نائب رئيس جمعية تنمية القدرات في الريف، والحاجة أم هادي، مديرة معهد الشهيدة سمية للتعليم الديني الإسلامي، على أن المرأة الجنوبية هي التي تحدد «البرواز» الذي يليق بصورتها، مع الأخذ في الاعتبار المفاهيم الثقافية والدينية التي تتحكّم بها في أغلب الأحيان. وإذ يفترض عز الدين، انطلاقاً من «مدنية» الجمعية أن «التحاقها بالحوزة التي تديرها الهيئات النسائية في حزب الله على سبيل المثال، أو التمسك بالموروثات الدينية والثقافية، ليس شرطاً لمنعها من الالتحاق كذلك بدورات التدريب المهني والتعاونيات الزراعية وبرنامج القروض الصغيرة في الجمعية التي تتعاون مع جهات دولية عدة من بينها مؤسسة الإسكان التعاوني الأميركية والاتحاد الأوروبي». من جهتها تتحفّظ أم هادي على انخراط الجنوبيات في المشاريع التي تديرها الهيئات الأجنبية، داعية إلى «التروّي في التعامل معها، لأن سياسات حكوماتها ليست بريئة تماماً في ظل الهجوم على المقاومة وشعبها الذي تمثّل أساسه، علماً بأن الحوزة توفّر أيضاً دورات تدريبية عديدة».
النساء في الحوزة وفي الجمعية بالطبع مختلفات، فهنا هنّ أخوات، وهناك هنّ سيدات وآنسات. إن اختيار كل منهن لنوع الخدمات المقدمة، يحدد رغبتهن في اختيار نوعية العيش. ففيما تفضّل سونيا (22 عاماً) «امتلاك المستقبل بالعلم والعمل»، تمتشق زينب (16 عاماً) القضية الصعبة، وتقول إن النساء «مولجات بحماية أمة المقاومة عبر التنبّه للمخاطر والشرور التي قد تتأتّى من أهداف تلك الجمعيات».