جان عزيزقبل أقل من أسبوع وصل تقرير أمني، تحت تصنيف «عالي السريّة»، إلى جهات دبلوماسية وأممية رفيعة المستوى في بيروت، يؤكد باقتضاب، ومن دون الخوض في المعطيات والوقائع، على الأمور الثلاثة الآتية:
أولاً، إن المعطيات التي باتت متوافرة لدى السلطات السورية، والمتبادلة والمتقاطعة مع معلومات «حزب الله»، أصبحت كافية للإشارة إلى تورّط جهة عربية وأخرى غربية في اغتيال عماد مغنية، في العاصمة السورية في 12 شباط الماضي.
ثانياً، إن تحليلات واضعي التقرير المذكور، تسمح بالاستنتاج بأن «حزب الله»، عند اكتمال تلك المعطيات، سيعمد إلى الرد على عملية الاغتيال تلك، بتوجيه «رسائل» من الأعيرة الممكنة والمناسبة، ضد الجهتين المتورطتين. وبأن التنظيم الشيعي الأول في لبنان، لن يراعي أي معطيات إقليمية أو داخلية، سياسية أو عسكرية، ولن يكون أسير أي خوف أو تردّد، بل سيبادر إلى تنفيذ ما يراه مناسباً عند أول فرصة متاحة لذلك.
ثالثاً، على المعنيين بكل ما سبق، الانسجام مع هذه المعطيات، واعتبارها مؤكدة، حتى اتضاح ما يعاكسها، والمطابقة بين الخلاصات التي تقتضيها، وبين ممارساته وسلوكياته السياسية والأمنية على الأراضي اللبنانية وخارجها.
لم تتمكن الجهات الدبلوماسية التي تلقّت التقرير في بيروت من التأكد في شكل قاطع ممّا إذا كان مضمونه حقيقياً وقائعياً، أو إذا كان الهدف منه تضليل معطيات هذه الجهات، وزيادة التأثير السياسي والأمني عليها، على خلفية دفعها إلى مواقف معيّنة من الوضع اللبناني المأزوم.
غير أن دوائر التحليل السياسي ـ الأمني لديها، توقفت عند مؤشرين مرافقين للتقرير نفسه. أولهما، الصدقيّة العالية لمصدره، مقارنةً بتجارب سابقة. وثانيهما تسليم نسخة من التقرير إلى المرجعيات الأممية المعنية بقوات الأمم المتحدة في لبنان، مع العلم أن مضمونه يضع وحداتها خارج إطار أي خطر أو استهداف نتيجة توصياته. وهو ما يعطي، بحسب دوائر التحليل تلك، صدقيّة أكبر لهذا التقرير، ويوحي بأن معطياته مستندة إلى معلومات مباشرة، مستقاة من المعنيين بها، أو مسرّبة عبر طرف إقليمي ثالث، لحسابات مختلفة أو معقّدة.
بعد ساعات قليلة على وصول التقرير، بدأت سلسلة إجراءات دبلوماسية منسجمة مع خلاصاته، رسمت أكثر من علامة استفهام حول الخلفيات. لكن الأهم، أنه في مصادفة متزامنة، صدرت في الوقت نفسه الدراسة ـ الوثيقة التي وضعها الكاتب دايفيد روز في مجلة «فانيتي فير»، تحت عنوان «الحرب القذرة»، عن التورط الأميركي في الأوضاع الفلسطينية.
تعرض الدراسة في شكل مفصّل، واستناداً إلى وثائق وشهادات لمسؤولين أميركيين وإسرائيليين وفلسطينيين، ما يصفه روز بحملة التصفية التي قررت إدارة واشنطن تنفيذها ضد حركة «حماس» في الأراضي الفلسطينية، منذ ما بعد وفاة ياسر عرفات في تشرين الثاني 2004. وقارئ تلك الوثيقة اللافتة، لا يمكنه مع متابعة وقائعها، إلّا أن يقيم مقارنة مماثلة مع تطورات الوضع اللبناني طيلة الأعوام الثلاثة الماضية. وأثناء قراءتها، يبدو سهلاً جداً ومنطقياً أكثر، إجراء مطابقة بين المهمة التي أريد تنفيذها في الوضعين، وبين أدوار كل من القوى السياسية في كل منهما.
خلاصة الدراسة يمكن عرضها في النقاط الآتية:
ـ طلبت إدارة بوش من أبو مازن تصفية «حماس» سياسياً وجسدياً.
ـ بعد سلسلة لقاءات على المستوى الأميركي الرئاسي، انتهى جورج بوش إلى اختيار الشخص المناسب للتنفيذ، إنه محمد دحلان، الذي وصفه الرئيس الأميركي بعبارة «إنه رجلنا».
ـ أعطيت التعليمات لكل أجهزة الإدارة الأميركية بتقديم كل الدعم المالي واللوجستي لتحقيق الهدف.
ـ مع ظهور بعض عراقيل التمويل في الكونغرس الأميركي، اتجه أصحاب القرار نحو أربع دول عربية لتأمين المطلوب، وهي السعودية، الإمارات العربية، مصر والأردن.
ـ بلغت كلفة الخطة 1،27 مليار دولار على خمس سنوات، وتضمنت التسليح والتدريب لنحو 15 ألف عنصر في «فتح» في الدول المذكورة.
ـ لم تحدد الخطة تفاصيل «التصفية» في شكل مفصّل. غير أن تنفيذها على أيدي جماعة دحلان، تُرجم عمليات قتل وخطف وتعذيب وسحل لكادرات «حماس» ومسؤوليها الأساسيين.
ـ في المحصّلة فشلت الخطة على مرحلتين، الأولى بدفعها «حماس» إلى الفوز في الانتخابات التشريعية في كانون الثاني 2006، والثانية بدفع «فتح» إلى الهروب من غزة في حزيران 2007.
يؤكد روز أن نتيجة «الحرب الوسخة» جاءت مزيجاً من «إيران ـ كونترا» و«خليج الخنازير». وانتهى الوضع إلى مأزق أميركي حيال الوضع الفلسطيني بين طرف صمد في وجه التصفية، وآخر عجز عن الإيفاء بالتزاماته.
هل هي «حرب قذرة» أخرى في لبنان؟ لم يفصح التقرير الأمني عن ذلك، لكن أوجه الشبه أكثر من كثيرة.