غسان سعّودثمّة حدث جديد في طور التشكّل. في البحر، بوارج تروح وتجيء لأهداف توصف بالاستخباريّة. وفي البرِّ، مناورات إسرائيليّة عسكريّة واسعة، لم يسبق لأهل الحدود والمتمركزين وسطهم أن شاهدوها. وبين البحر والبرِّ، قمة عربية تزيد القسمة بين اللبنانيّين على خلفيّة تمثيل لبنان. ويضاف إلى هذه، تراكم المعطيات عن تسلح الأحزاب وتوزع المناصرين خلايا ميليشياوية تنتظر اللحظة المناسبة لتنقضّ بعضها على بعض.
قبالة هذه الصورة، يبدو أهل الرابية في مكان آخر. فما يقوله العماد ميشال عون في العلن يردده في السرّ أيضاً: «لا حاجة لإقلاق الناس وزيادة همومهم. لا حرب في الأفق». بجزم يقولها عون للدائرة الضيّقة كما للقاعدة الأوسع. ويرفض النقاش مع المطالبين بحدٍّ أدنى من التسلّح، للدفاع عن النفس.
ماذا يبعث على هذه الطمأنينة العونيّة في ظل تراكم المعطيات الحربيّة، يسأل البعض فيبتسم أهل الرابية. «لعله طبعه المحب للسلام»، يقول أحدهم. أو «لعلها ثقته بقدرته على تحليل نتائج المعطيات»، يقول آخر، مشيراً إلى نجاح عون خلال التجارب الماضية باستنتاج ما سوف يحصل من تطبيق اتفاق الطائف، إلى انسحاب السوريين وانفراط التحالف الرباعي، وحصول حرب تموز.
وفي رأي جنرالات الرابية أن المواجهة «الحتميّة» بين حزب الله وإسرائيل لن تكون أبداً حرب تموز جديدة، مشيرين إلى خطط إسرائيلية لاغتيال عدد من مسؤولي المعارضة بعدما باءت كل محاولات إنهاك رافضي التبعية الأميركية ـ الإسرائيلية بالفشل. ويستدرك أحد الجنرالات منبهاً إلى أن «كل المحاولات» لا تعني حرب تموز حصراً، إذ ثمة الكثير غيرها، والحديث هنا عن اغتيال عماد مغنيّة يشكل حلقة من سلسلة طويلة. وفي هذا السياق، تحطاط الرابية من أية مغامرات قد تقدم عليها إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة، وخاصة أن عون الذي زرع شجرة الأرز في حديقة البنتاغون قبل عامين قد أحبط بقوة الرهان عليه في أن يكون «كاو بوي» الحصان الأميركي في لبنان، وكان رقماً صعباً في منع زعزعة صمود حزب الله خلال عدوان تموز.
غير أن المشكلة، بحسب أهل الرابية، في المشهد الأقرب أن «ثمة من يخيف الناس بحرب إقليميّة، وثمة من يهددهم بحرب أهليّة، وثمة من يرفع الأسعار ليزيد الضغط على الناس، وثمة من يجاهر برفض الحل المتكامل». ثم يظهر من يطالب بالاتفاق فوراً ودون شروط، وسرعان ما تجاريه مجموعة من السُذّج، يقول أحد الجنرالات العونيين، قارئاً في هذا المشهد تكراراً لما حصل في نهاية الثمانينيات. يومها قدم الطائف فرصةً أخيرة، وخرجت الأصوات الروحيّة لتتذمر من «معرقلي الحل».
واليوم، «يسعى البعض بالأدوات نفسها إلى طائف جديد، يكرس معادلة حريريّة جديدة». هنا، يقول أحد جنرالات المنفى السابقين، تكمن المشكلة، وهذا بالضبط ما يواجهه التيار. «فالمعركة صعبة، وثمة 13 تشرين أميركية ـ إسرائيلية متوقعة هذه المرة». ويعقّب زميله بالقول إن هناك ضغوطاً خارجية «هائلة» على التيار، والمعركة الإعلاميّة والتشويهيّة مستمرة بحقّه، وبيت التيار الداخلي يعاني الترهل، لكن، رغم كل هذه، «نحافظ على دورنا، ونحاول توعية جمهورنا لرؤية الخطر الحقيقي».
ويتابع الجنرال ـ النائب مؤكداً أن «خسارة هذه المعركة تعني استئثار الحريري بالبلد كاملاً، وفي رأينا أن قبضة المال أحكم من قبضة الأمن، وسنشهد بالتالي مرحلة أسوأ بكثير من مرحلة السوريين». يختم جنرالات الرابية حديثهم بالتأكيد أن معنويات «الحالة العونية» عالية، وأن ميزة عون الأساسية هي التعلم من الماضي، سواء في الدروس السياسيّة أو العسكريّة. و«قد أثبتنا سابقاً أن القتال الغاندي أفعل على الصعيد الشعبي من القتال الميليشياوي والعسكري بكثير».