ماتت شيرين لإصابتها بنزيف في المعدة وارتجاج في الدماغ، إضافة إلى نزيف في الرأس. لم تنتج هذه الإصابات عن حادث سير أو جريمة قتل عادية، بل عن ضربها بقصد «تخليصها» من «جنيّ كان في جسدها»، وبناءً على أوامر «جنيّ كان يساعد محضِّرة الأرواح» التي «تعلم الغيب وتفك المسحور»
سلطانة متيرك
قُتِلَت شيرين لأن «جنياً تلبّسها»، ولأن عدداً من مدّعي «فك المكتوب والمسحور» أرادوا إخراج الجنيّ منها. ليست هذه وقائع ثابتة، بل أفعال نسبها قضاة التحقيق إلى شقيقين ومدعيَي «تحضير أرواح». فالمحكمة لا تزال تنظر في القضية التي بدأت قبل أكثر من سنتين، عندما تزوّجت شيرين بخليل، وانتقلا للإقامة في النبطية. وكانت شيرين تزور ذويها وشقيقيها سمير وشريف في بلدة اللوبية.
قبل زواجها، كانت تعاني من تضخم في الغدة ومن حالة اكتئاب، بحسب إفادة الطبيب الشرعي وشقيقتها سوزان. وكانت تصاب بين الحين والآخر بضيق التنفس وتسارع في دقات القلب، تعقبهما في أغلب الأحيان حالات تشبه الإغماء والهلوسة.
ونسب قرار ظني صادر عن قاضي التحقيق في لبنان الجنوبي نبيل وهبة، إلى زوجها وشقيقها سمير أنهما كانا يؤمنان «بالرقوة»، وأن تلاوة آيات من القرآن قد يساعد على شفائها مما يصيبها. وقد صادف أن ما كان ينتابها يستغرق بضع دقائق، وهو الوقت الذي كان زوجها وشقيقها يحتاجانه «للرقوة»، فظن الاثنان أنّ ما يقومان به هو ما يشفيها.
من ناحية أخرى، ذكر القرار أن سيدة تدعى «سارة» استأجرت منزلاً يملكه سمير في البناء نفسه الذي يقيم فيه، وأشاعت أنها قادرة على قراءة الطالع وفك المكتوب ومناجاة الأرواح، وأن جنيّاً يدعى «دانيال» يعيش في داخلها ويعطيها القدرة على فعل «كل شيء». أراد سمير من سارة أن تعرّفه بأمور «عِلمها»، فقبلت ودرّبته، حتى صار يستقبل الزبائن ليقوم بأعمال «الرقوة والتبصير وفك الحجابات».
أما أمير، فذكر القرار القضائي أنه أقام في الصرفند، وادّعى علم الغيب والتنجيم وكتابة الحجابات وفك المكتوب وسواها من الأمور، حتى آمن به الكثيرون وأخذ يقصده أصحاب الحاجات ويدفعون له المال. وبعدما تعرّف إلى سمير وسارة، صاروا ينسقون أعمالهم سوياًسمير يُخرِج جنّياً من شقيقه
في مطلع نيسان 2006، جرّب سمير «عِلمه» على شقيقه شريف الذي كان، بحسب الأول، «ممسوساً وواقعاً تحت تأثير الكتب التي تؤدي إلى قطع الرزق وتدهور الحالة الصحية». وبحضور سارة وعائلة سمير، صار الأخير يتمتم ويقوم ببعض الحركات التي جعلت شريف «يحسّ بشيء ما يتحرك في داخله ويتكلّم من دون وعي بلسان الجن الموجود في داخله». وكان سمير يضرب بقضيب رمان جسد شريف «لإخراج الجنيّ من جسمه»، فادّعى شريف «أنّ الجنيّ خرج عبر مؤخرته وخصيتيه».
ويوم 21/4/2006، شقطت شيرين في منزلها وارتطم رأسها بالأرض، فنقلها زوجها إلى السرير، رافضاً اقتراح أحد أفراد العائلة نقل زوجته إلى المستشفى، قائلاً إنه «سيرقيها». بدأ خليل يتلو آيات من القرآن، لكن حالة زوجته لم تتتحسّن. شقيقتها سوزان أرسلت بطلب سمير، لأنه «الأقدر على الرقوة»، وعندما حضر، خرج الزوج لخلاف سابق بينهما. ولأن شقيقته «ممسوسة من الجن»، بدأ سمير يتلو آيات من القرآن، لكن الحالة كانت تزداد سوءاً، فطلب حضور سارة «الأكثر خبرة في طرد الجن».
القفز على بطن «المسكونة» وضرب رأسها
«فحصت» سارة شيرين، وشخّصت حالتها بأنّ «جنّياً دخل جسدها في ركبتها، وأنها ستسعى لطرده»، ثم أخذت تتمتم عبارات غير مفهومة قبل أن تصرخ منادية سمير: «إلحق أختك، سيصيبها الشلل عند السابعة والنصف». رأت سارة أن إخافة الجنيّ بالضرب خير وسيلة، فطلبت قضيباً من الرمان أحضره شريف من الحديقة، وصار يضرب شيرين على قدمها. بعد قليل، أعلنت سارة أن الجن انتقل إلى بطن شيرين، وحذّرت من خطورة انتقاله إلى الرأس. كانت حالة شيرين تزداد سوءاً، وشقيقها سمير يضربها بقضيب الرمان. كانت شيرين تهذي وترتعش في مكانها عندما وقفت سارة على السرير وصارت تقفز على بطن شيرين حتى انكسر السرير من تحتهما، ثم تقيأت شيرين وبانت آثار دماء.
حاولت سوزان أن توقف سارة عن فعلها، لكنها تمادت بالقفز على معدة شيرين، التي أصيبت بنوبة عصبية فانتفضت من مكانها وضربت رأسها بالشباك والجدار، فأمسك بها شقيقها سمير وأعادها إلى مكانها. وعندما تورّمت عينا شيرين وأحاطها الاحمرار، صرخت سارة أنّ الجنيّ انتقل إلى عينيها وأنها ستسعى لإخراجه مستعينة بأمير، الذي أخذ بدوره يتلو آيات من القرآن، وبادر إلى ربط قدمي شيرين بحبل، وطلب من شريف وسمير ضربها بقضيب الرمان، أما سارة فأخذت تشدها بشعرها، وتنطحها على عينيها بقوة وتضرب رأسها بالسرير لإخراج الجنيّ. وعندما طلبت سوزان مجدداً من سارة التوقف عما تفعله، أجابتها سارة بالقول: أنا مش سارة، أنا دانيال.
استمر الوضع على ما هو عليه حتى الثالثة فجراً. وصباح اليوم التالي، عاد الجميع ليمارسوا الطقوس ذاتها، وعند الظهر بدأ جسد شيرين يبرد، فطلبت سوزان من الزوج نقل شقيقتها إلى المستشفى، لكن الجميع رفضوا وأرسلوا بطلب أمير في الوقت الذي أبدت فيه سارة رغبتها بالذهاب إلى منزلها، فلاحظت سوزان أنّ نبض شقيقتها توقف وفارقت الحياة. وفي صباح اليوم التالي أعاد المدّعى عليهم شيرين إلى منزل ذويها، وحاولوا، بحسب القرار الظني، «دفنها من دون إبلاغ السلطات، لكن أمرهم افتضح».
الطبيب الشرعي الذي كشف على الجثة أوضح أنّ شيرين أصيبت بنزيف في المعدة وارتجاج في الدماغ، إضافة إلى نزيف في الرأس، وأن العوامل مجتمعة سببت الوفاة.
سارة وسمير وشريف وأمير لا يزالون موقوفين، ويحاكمون أمام محكمة الجنايات في لبنان الجنوبي بعدد من التّهم، أهمها القتل متعدي القصد، وهي التهمة المنوصوص عنها في المادة 550 من قانون العقوبات، والتي يُحكم على مرتكبها بالحبس مدة لا تقل عن خمس سنوات.