ثائر غندور«لم يعد لدى اللبنانيين دور في إنجاز الحلّ، إذ أصبحت كلّ الأوراق في يد القوى الإقليميّة»، يقول أحد نوّاب بيروت بنبرة حزن. ويستدلّ على ذلك من وصول النقاش السياسي إلى شكل قانون الانتخاب، «وهذا يؤكّد أن الجميع يبحث عن وسيلة لإبعاد أي حلّ، لا الوصول إليه». ففي نظره، لا يقيم أحد من الأطراف وزناً للهمّ الوطني، بل لمصالحه. ومن هنا تنطلق نظرتهم إلى قانون الانتخاب وتقسيماته، فيما يلفت هو إلى عاملٍ أساسي لاعتماد أي قانون وهو: ماذا نريد منه؟
يجيب عن سؤاله بالقول: يجب أن يكون قانون الانتخاب مدخلاً لتجاوز الحالة الطائفيّة التي نعيشها. وبالتالي، فإن كلّ نظرية من نوع أن كلّ طائفة تنتخب ممثّليها لا تؤدّي إلّا إلى المزيد من الشرذمة، وهكذا، فالنسبية مع الدائرة الكبيرة هي الأمثل للبنان، مع ضرورة وضع ضوابط مالية وإعلاميّة وقانونيّة لضمان التمثيل الصحيح.
أمّا لماذا وصلنا إلى الحالة التي ألغي فيها الهامش اللبناني من الحلّ لمصلحة توسيع تدخّل الدول الإقليميّة والدوليّة، فلهذا النائب قراءة ينتقد فيها فريقي السلطة والمعارضة معاً. تبدأ مطالعته مما بعد حرب تموز، «في تلك الفترة العصيبة التي مرّ بها الوطن، وبعد حرب انتصرت فيها المقاومة عسكرياً»، في رأيه، عبر منع العدو من تحقيق أهدافه، وخسر الوطن كثيراً بسبب حجم الدمار، «كان لا بد من تأليف حكومة اتحادٍ وطني».
هذا النوع من الحكومات ينبثق، في رأيه، في كلّ البلدان في حالات الطوارئ، «وهذه هي حالنا بعد حرب تمّوز». ويُضيف أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قال بعد الحرب إنه لو كان يعرف أن نتيجة أسر الجنديين الإسرائيليين ستكون هذه الحرب لما أقدم عليها، «فبادلته قوى 14 آذار في أول بيان صدر عنها بعد انتهاء الأعمال العسكريّة وفي ظلّ الحصار المحكم البحري والجوي على لبنان وعدم استكمال الانسحاب من الجنوب، مطالبة بنزع سلاح حزب الله». وهذا الأمر كان خطأً ممكن التجاوز، إلا أن النائب لم يكن حاضراً في الاجتماع.
وتعود به الذاكرة إلى صديقه الرئيس الراحل رفيق الحريري. ويتخيّل كيف كان سيتصرّف في هذه الحالة: سيعمل على جمع القوى حول الإنجاز العسكري لاستثماره باتجاه تمتين وحدة اللبنانيين وتطوير بلدهم.
بعد هذه الحادثة، التي يعدّها أهم الفرص الضائعة، كما أنها المحطّة الأهم في ضرب القدرة اللبنانيّة على إنجاز الحلّ، ينتقل النائب الحالي، «المقبول من جميع الأطراف»، كما يسمّيه الرئيس نبيه برّي، إلى الفرصة الثانية. يقول إنه عندما أعلن فريق 14 آذار موافقته على قائد الجيش ميشال سليمان كمرشّحٍ توافقي، وموافقة المعارضة، طرح على نفسه سؤالاً: هل الجميع صادق في هذا أم يناور؟ ففريق 14 آذار كال الكثير من التهجّم لسليمان سابقاً، والنائب ميشال عون يُعلن موافقته وفي حلقه غصّة، وهو الطامح إلى موقع الرئاسة.
إلا أن النائب البيروتي قرّر أن يصدّقهم، وبدأ في التفكير بصيغة لإنجاز التعديل الدستوري. لكن كل طرق تعديل الدستور يجب أن تمرّ بالحكومة. وهناك فريق سياسي لا يعترف بشرعيّة هذه الحكومة، «وهو محقّ إلى حدّ ما، لأن هناك طائفة بأكملها خارجها»، فما العمل؟ بعد نقاشات عديدة، تم التوصّل إلى الرأي الذي يقول بعودة الوزراء المستقيلين إلى الحكومة ليوافقوا على التعديل، ويتحفّظوا على القرارات التي أصدرتها الحكومة منذ تقديمهم لاستقالتهم حتى تاريخ عودتهم، بما يضمن لهم حقّ الطعن في هذه القرارات. لكنّ المعارضة رفضت هذا العرض، فأسهمت في تقليص مساحة الحلّ اللبناني. وهو لا يحمّل حزب الله مسؤوليّة التعطيل، إذ إن ردّ برّي عليه كان: «يستحق الدراسة، وسنرى ماذا نفعل».
ثم عادت الموالاة إلى استكمال تقليص المساحة اللبنانيّة. يذكر النائب فكرة العريضة النيابيّة التي طلب برّي من النائبين بهيج طبّارة وروبير غانم صياغتها في مكتبه، ودخل عليهما لاحقاً خلال الصياغة ليقول لهما: «ما في ضرورة لكتابتها اليوم، لأن الأخ سعد (الحريري) مش مستجعل». فضاعت هذه الفرصة.
أمّا الفرصة الثالثة، فجاءت بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود وانبثاق فكرة تفسير الدستور بدل تعديله، وهي من روحيّة المادة 74 من الدستور التي تقول: «إذا خلت سدّة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر، فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون، وإذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلّاً، تدعى الهيئات الانتخابية دون إبطاء، ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الانتخابية».
وفي رأي المؤيّدين، إن هذه المادّة تُلغي ما جاء في المادّة 49 من الدستور لجهة عدم جواز «انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في جميع الإدارات والمؤسّسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام، مدّة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد». لكن فريق 14 آذار أعلن رفضه لهذه الصيغة، وبالتالي جرى تسليم كلّ أوراق الحلّ اللبناني إلى الخارج.