ابراهيم الأمينتتّجه الأزمة الداخلية إلى مزيد من الجمود. وتبدو هواجس قيادات بارزة محصورة في منع انعكاس الأمر على شكل توترات في الشارع. وتبذل في هذا الإطار الجهود المعلنة وغير المعلنة من أجل منع عودة الصدامات إلى الشارع، وخصوصاً أن في فريقي المعارضة والموالاة من يتهم الطرف الآخر بأنه يريد ملء الفراغ بتوترات أمنية. وهو الأمر الذي يترافق مع تصعيد في التحذيرات الصادرة عن قوى ودول داعمة لفريق الموالاة من احتمال حصول توترات كبيرة واتهامات بأن سوريا والمعارضة تريد قلب الأمور رأساً على عقب.
وبحسب جهات معارضة، فإن موقف فريق السلطة ينطلق من اعتبارات غير داخلية تقول إنه لا يمكن التوصل إلى تفاهم سياسي الآن، وإنه يجب انتظار نتائج تطورات المنطقة، حيث يراهن هذا الفريق على تطورات كبيرة في المنطقة. ويقول المعارضون إن هذه الخلفية هي التي تتحكم بموقف الفريق نفسه الرافض لأي نوع من التسويات.
وتلفت الجهات نفسها إلى ما حصل في المداولات الأخيرة لوزراء الخارجية العرب من مناقشات واقتراحات لتشير إلى موقف فريق السلطة الذي لا يريد التوصل إلى اتفاق. ويشير هؤلاء إلى أن محاولة بعض الجهات العربية إحداث خروق في جدار الأزمة تعطلت سريعاً. والدليل على ذلك الإحباط الذي أصيب به وزير خارجية سلطنة عمان يوسف بن علوي الذي اتهمه قياديون في فريق السلطة بأنه يعمل لدى الإيرانيين والسوريين. ونسب القياديون إلى شخصيات مصرية وسعودية شكوكها في أن يكون بن علوي صاحب الاقتراح.
وكان الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى قد تولى التواصل مع الرئيس نبيه بري عشية الاجتماع الوزاري العربي، وأبلغه بأن هناك من يعدّ اقتراحاً لحل مختلف عن تفاصيل المبادرة العربية التي تعطلت لأسباب مختلفة. وقال موسى لبري إن الاقتراح يحمله الوزير العماني ويقضي بخطة من ثلاث خطوات: الأولى تقول بانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية وفق تفسير المادة 74 من الدستور. والثانية تقول بتأليف حكومة مصغرة محايدة من رئيسها إلى جميع أعضائها، والثالثة بإجراء انتخابات نيابية مبكرة خلال فترة تمتد من ستة أشهر إلى سنة، وعلى أساس قانون عام 1960، على أن يصار بعدها إلى معالجة باقي الأمور، لأن هذه الحكومة تتخذ الطابع الانتقالي ولا يمكنها بتّ أي مواضيع غير مهمة إجراء الانتخابات، وتسيير بعض الأمور الإدارية.
وحسب الرواية، فإن موسى قال لبري إن الاقتراح إيجابي ومفتوح للنقاش، وإن رئيس المجلس أبلغه بأنه لا يمانع في البحث. لكن الراوي يقول إن رئيس المجلس كان يتحدث إلى موسى بحضور حشد من ضيوفه. وقال له: اسمع، لقد صدمت بما فيه الكفاية، ولا أرى أنه من المفيد انتظار المزيد من المبادرات والأفكار وفتح النقاش من دون بوادر اتفاق. وأنا أقترح عليك أن تبحث الأمر مع النائب سعد الحريري وقوى فريق 14 آذار، وإذا وجدت لديهم تجاوباً، احمل الأمر وابحثه مع الوزراء العرب، واحصل على دعم عربي جدّي له ومن ثم ابحثه مع عواصم القرار. حتى إذا ما شعرت بأن هناك بوادر اتفاق فاحمله وتعال إلى بيروت لنجعله أمراً واقعاً.
ويضيف الراوي أن موسى سأل بري مجدداً: ولكن هل تمانع في أن يجري البحث في الأمر في القاهرة أولاً، لا في بيروت، وفي أن ترسل المعارضة وفداً وكذلك الموالاة، وتحصل اجتماعات تمهد لاتفاق يتم الإعلان عنه في بيروت؟ فردّ بري: إن الأهم هو الحصول على موافقة فريق السلطة، وبعدها توفير الغطاء العربي والغربي لمبادرة كهذه، وعندها تكون كل الأمور سهلة وميسرة، ولا مانع من أن ترسل المعارضة مندوباً أو وفداً إلى القاهرة. لكن الأساس هو موقف فريق السلطة.
وبحسب الراوي، فإن موسى لم يعاود الاتصال برئيس المجلس قبل اجتماع وزراء الخارجيّة العرب، وإن الأخير فهم من مصادر متعددة أن الأمين العام للجامعة العربية أثار الأمر مع جهات في فريق الأكثرية وسمع أجوبة سلبية، وأن ما يريدونه هو انتخاب رئيس للجمهورية ونقطة على السطر. وبالتالي فإن النقاش توقف، ولم يعد يتناول الموضوع، وحتى الاقتراح لم يدرس بصورة مفصلة أو موسعة، علماً بأن مصدراً سياسياً مطلعاً في بيروت، قال إن لدى الجهات العربية وحتى بعض القيادات اللبنانية المؤيدة لهذا الاقتراح أسماء من يرشّح لتولي رئاسة الحكومة ويتولى قيادتها في الفترة الانتقالية.
وإذ تؤكد الجهات البارزة في المعارضة أن البحث توقف عند هذه النقطة، فإنها تشير إلى أن المعارضة لا تمانع عرضاً من هذا النوع، لكنها تؤكد أن لا علاقة لها به من قريب ولا من بعيد. وتشير إلى أن فريق السلطة، الذي لا يريد الاقتراح لأنه لا يريد التخلي عن الحكومة ولو ليوم واحد، ولا يريد إجراء الانتخابات النيابية لا الآن ولا في أي وقت ولا وفق قانون عام 1960 ولا وفق أي قانون آخر، هو من قاد حملة، وبعد أن أبلغ موسى رفضه الاقتراح شن حملة عليه من زاوية أنه اقتراح سوري، وأن الرئيس السوري بشار الأسد هو من طرحه على موسى خلال زيارة الأخير إلى سوريا قبل انتقاله مجدداً إلى القاهرة. وهو أمر يقول المقربون من موسى إنه غير صحيح، ولو أنهم يشيرون إلى أن صاحب الفكرة ربما أجرى مشاورات واسعة قبل أن يقول ما عنده.
على أن الصورة تظل واضحة لناحية أن فريق السلطة لم يعد قادراً على إطلاق أي مبادرة سياسية تأخذ الجميع إلى تسوية، وأنه دخل في نفق المساعي والجهود الأميركية ــ الإسرائيلية لقيادة انقلاب كبير في المنطقة من خلال مجموعة حروب وجرائم من غزة إلى لبنان وسوريا وربما إلى إيران. ولذلك فإن لا أحد ينتظر جديداً خلال الفترة المقبلة. لا بل على العكس فإن الكلام الفرنسي الذي أطلقه وزير الخارجية برنار كوشنير عن «أنه في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان من الآن وحتى تموز المقبل، فإن فرنسا ستعاود إدارة وساطة جديدة» لهو إشارة إلى أن في الغرب من يريد إبقاء الأمور مجمدة في لبنان حتى الصيف وسط تزايد الرهانات على تقلبات من النوع الذي يقول إن البلاد والمنطقة ذاهبتان نحو الأصعب.