تشهد الأسواق في منطقة البقاع، منذ أكثر من أسبوعين، حالة ارتياب ملحوظة يعيشها المواطنون، نتيجة طرح أوراق نقدية لبنانية وأجنبية مزوّرة، بعدما وقع العديد من الأفراد والمؤسسات المتوسطة والصغيرة ضحايا عمليات احتيال نفّذها عدد من المروّجينالبقاع ـ نقولا أبو رجيلي
أثناء تبادلها الحديث مع أحد الزبائن، بعد تمرير الأوراق النقدية من أمام الجهاز المخصص لكشف التزوير، قالت سهام، الموظفة في دائرة رسمية في زحلة: «السوق غارقة بالأموال المزوّرة من كل الفئات. حتى إن بائع الأجهزة الحديثة التي تكشف التزوير «أكل الضرب» بورقة خمسين ألف ليرة مزيفة». ولم يُخْفِ صاحب دكان صغير في إحدى القرى القريبة من مدينة زحلة انزعاجه من هذا الوضع، وبعدما كال ما تيسّر من الشتائم للسياسيين، طلب عدم ذكر اسمه قائلاً «أكلت الضرب من يومين. دخل إلى محلي شخص واشترى علب سجائر، وناولني 50 ألف ليرة. أرجعت له المال الباقي ورحل. وعندما أتى ابني ورآها عرف أنها مزوّرة. عمري 60 سنة، كيف بدي اعرف المزوّر من الصحيحتزييف العملات الوطنية والأجنبية وترويجها ليس بالأمر الجديد. وقد تكون الأزمة السياسية والاقتصادية والأمنية الراهنة شجعت الناشطين في هذا المجال على التمادي بتوسيع نشاطهم في مختلف المناطق اللبنانية، وخاصة البقاع.
ولم تمنع الإجراءات الأمنية المشددة في البقاع بعض الأشخاص من طرح أوراق نقدية مزوّرة في الأسواق من فئات 100 و50 و20 دولاراً أميركياً، وبفئة الآلاف نفسها من العملة اللبنانية. وتمكن معظم المروّجين من النفاذ بأفعالهم بعد اتباع طرق عديدة لاصطياد ضحاياهم، وغالبيتهم من العمال في محطات المحروقات وأصحاب محال بيع الأجهزة الخلوية وبطاقات التشريج، وأصحاب الدكاكين المتوسطة والصغيرة، من خلال شراء السلع والبضائع من تلك المؤسسات التي تفتقر بمعظمها إلى الأجهزة المخصصة لكشف العملات المزيفة.
ومن يقع في شباك المروجين، تتضاعف مصيبته. فبالإضافة للأموال الصحيحة المرتجعة، يتكبد خسارة أثمان السلع والبضائع التي استلمها هؤلاء الزبائن.
عمليات عديدة أفشلها مواطنون تمكنوا من كشف الأوراق النقدية المزيفة. فمنهم من كان يكتفي برفض استلامها، فيما كان آخرون يبلّغون الأجهزة الأمنية عن أوصاف الأشخاص والسيارات المستخدمة وأرقام لوحات التسجيل. وذكر مسؤول أمني أن العدد الأكبر من المروجين يستخدم سيارات يتبيّن في ما بعد أنها إما مسروقة أو تحمل أرقاماً مزوّرة.
لكن أكثر أصحاب المحال الذين التقت بهم «الأخبار» يفضّلون تمزيق الأوراق النقدية المزيفة، وعدم إبلاغ المراكز الأمنية تفادياً لتعرضهم للمساءلة القانونية، وبالتالي خضوعهم للتحقيقات ومجرياتها.
من جانبه، قال مسؤول أمني لـ«الأخبار» إن جميع الشكاوى التي تقدم بها المواطنون في المراكز الامنية هي موضوع متابعة حثيثة، والعمل جار لمعرفة الأشخاص الذين يقومون بمثل هذه الأعمال. وقد صدرت الأوامر لمراقبة بعض المشتبه فيهم والعمل على توقيفهم بالجرم المشهود. ولفت المسؤول الأمني إلى أن التحقيقات الأولية التي أجريت مع الموقوف ع. م. الذي ضبط بسيارته مبلغ 200 ألف يورو مزورة على حاجز ضهر البيدر يوم الجمعة الفائت، والذي سيحال في غضون يومين على الأكثر على مكتب مكافحة الجرائم المالية في قسم المباحث الجنائية الخاصة، قد تساعد بتحديد الأمكنة التي تُطبع فيها وتُزيّف العملات على أنواعها. وأوضح أن نسبة نجاح التزوير تصل في بعض الأحيان إلى 80%، مما يساعد على سهولة ترويجها، إذ من غير الممكن كشفها إلا بواسطة الأجهزة المخصصة لهذه الغاية أو بخبرة يتمتع بها بعض الأشخاص من العاملين في المصارف أو المؤسسات الكبيرة. وختم المسؤول الأمني بالتمني على المواطنين إبلاغ الأجهزة الأمنية عبر الهاتف على الرقم المجاني 112 عند تعرض أحدهم لأي عملية من هذا النوع، للتبليغ عن أي شخص تحوم حوله الشبهات، وعدم التكتم على أية معلومة قد تساعد بتوقيف الجناة وإحالتهم على القضاء.