ابراهيم الامينبات معلوماً أنه منذ الخامس عشر من آب عام 2006 باشرت إسرائيل حملة إعادة تأهيل لقواتها العسكرية وأجهزتها الأمنية في إطار الاستعداد لمواجهة مهمة إعادة الاعتبار إلى قوة الردع التي تعرضت لانتكاسة كبيرة في المواجهة الأخيرة مع حزب الله. وبعد مرور ما مر من وقت حتى الآن، فإن إسرائيل أنجزت الكثير على هذا الصعيد. وتشير المعلومات إلى أن الجيش الإسرائيلي ربما بات الآن في حالة جهوزية لمواجهة موجة جديدة من المعارك المفتوحة مع حزب الله أو غيره. وليس معلوماً بصورة حاسمة بعد ما إذا كانت إسرائيل قد باتت الآن جاهزة لشن حرب جديدة كالتي استهدفت في عام 2006 تصفية حزب الله وسحقه، باعتبار أن هذه الجهوزية لا تقف فقط عند حدود إعادة تدريب عشرات الألوف من الجنود وتجهيزهم بأحدث الأسلحة، ولا حتى بتنامي القدرات الاستخبارية لدى العدو، وهو أمر يجب الاعتراف به مع نجاح «الموساد» في الوصول إلى القائد العسكري في حزب الله الشهيد عماد مغنية، بعدما نجح الأخير لأكثر من عقدين في التخفّي ومنع استخبارات إسرائيل والولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية، وحتى العربية وجهات لبنانية أيضاً، من الوصول إليه. وبالتالي، فإن الجهوزية المفترض توافرها لدى إسرائيل والقدرات لتحقيق هدف بحجم سحق حزب الله، تتصل بأمور أخرى أبرزها ما يجري العمل عليه بقوة لجهة خلق فتنة داخلية لبنانية ـ لبنانية من النوع الذي لا يُتعب حزب الله وينزع منه سلاحه، بل يجعله في موقع المرتبك إزاء مهماته المركزية.
ولذلك، فإن الفريق اللبناني المنضوي الآن علناً أو بخجل ضمن المشروع الأميركي في المنطقة، بات يشعر بأن عليه مهمات كثيرة يجب القيام بها، وهذه المرة لن تنتظره الولايات المتحدة ومن معها لكي يكون في حالة ترقب وانتظار ليقوم الآخرون عنه بما عليه القيام به، علماً بأن بين قوى 14 آذار من يقول وينظّر بأن الرغبة في التخلص من حزب الله وتأثيرات سوريا هي أهداف مشتركة، وبالتالي فإنه ليس صحيحاً أن تنفيذ هذه المهمة من مسؤولية القوى اللبنانية وحدها. وقد نجح هؤلاء في إقناع الأميركيين بأنه لا يمكن الركون فقط إلى القوة الإسرائيلية، وأن على الولايات المتحدة القيام بما يفتح الباب أمام تغييرات ذات طابع استراتيجي في لبنان.
ولذلك، فإن الموقف الخجول لتيار «المستقبل» من مهمة الانضواء علناً في المشروع، لا يعني وقوفه على الحياد، حتى لو بدا أن آخرين مثل وليد جنبلاط وما يمثّل وسمير جعجع وما يمثّل ومعهما «فراطة» 14 آذار، يعلنون صراحة أنهم باتوا في الموقع الآخر. وهو ما يفسر جملة من الأمور ومن الخطوات التي حصلت أو التي هي في الطريق، ومنها:
أولاً: انتقال العلاقة بين فريقي جنبلاط وجعجع مع الولايات المتحدة من مرحلة الدعم العام والنظري إلى مرحلة الدعم العملي والمفتوح، مع ما يتطلب ذلك من كسر لقرار الحظر الأميركي التاريخي على استقبال جعجع في واشنطن باعتباره مجرم حرب، وإطلاق مشروع تمويل إعادة تسليح الموالين لجنبلاط وجعجع في لبنان وتدريبهم وتجهيزهم، وتوسيع قنوات التواصل بين جنبلاط وقيادات عربية في إطار خطة فتح الخطوط مع دروز عرب يعيشون في سوريا ودول أخرى، بما في ذلك تنشيط التواصل مع الدروز الذي يعيشون مع عرب الـ1948، والذين تتحرك غالبيتهم في مناخ تعاون مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي. حتى إنّ جهات بارزة في العالم العربي كشفت عن تعاون يجري على الأرض بين هذا الفريق وقيادات سورية معارضة لحكم الرئيس بشار الأسد، وإن هذه الشخصيات كانت في قلب الإدارة السورية خلال العقود الثلاثة الماضية، لكنها باتت الآن في موقع الساعي إلى إسقاط حكم الأسد لا إلى تغيير النظام كما يفترض كثيرون. وهذا ما يفسّر التشخيص المنطقي الذي يقول بأن أقطاب فريق 14 آذار الذين سبق أن تعاملوا طويلاً مع النظام السوري، هم الآن ضد أشخاص الحكم السوري الآن لا ضد الحكم السوري نفسه.
ثانياً: تدرّج التشدد في موقف فريق 14 آذار من المسألة الداخلية إلى حدود رفض أي تنازل من النوع الذي لا يحقق تغييراً كبيراً في الوضع الداخلي بوجهه الإقليمي، بمعنى أن الولايات المتحدة لن تدعم تسوية من النوع الذي لا يؤثر على استقرار فريق المعارضة والمقاومة على وجه الخصوص. ولذلك فإن واشنطن دعمت حلولاً من النوع الذي يُخرج المعارضة مهزومة، وهي ليست مع تسوية على طريقة المبادرة العربية حتى في نسختها المشوّهة مع تفسيرات متضاربة للبند الثاني المتصل بالوضع الحكومي.
ولذلك يصعب على أحد توقّع مبادرة مستقلة من جانب فريق 14 آذار باتجاه تحقيق تسوية، إلا إذا شعرت القوى الداعمة له بأن هناك صعوبة في تحقيق الأهداف الأخرى، أو إذا ظهرت مخاطر جدّية من احتمال قيام المعارضة في بيروت بخطوات عملية من النوع الذي يُضعف فريق السلطة أكثر مما هو عليه الآن.
ثالثاً: إن التطورات غير المحسوبة في غزة، وقرار إسرائيل تنفيذ عملية اغتيال الشهيد مغنية، وربما غيره من قيادات المقاومة اللبنانية، فرضت تغييرات على سلوك الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي سلوك القوى الموالية لها في بيروت. وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد بأن لبنان سيكون مقبلاً على تطورات من النوع الذي لا يعزز الاستقرار، وعلى اختبارات صعبة يعمل كثيرون على عدم تحوّلها إلى عناصر تفجير أهلية في شوارع بيروت ومناطق أخرى من البلاد.
وفي انتظار تبلور الموقف السياسي على الصعد كلّها، فإن أكبر المخاوف هو من حصول حدث أمني ـ سياسي كبير في لبنان، وتندرج في هذا الإطار تحذيرات من قيام جهات لها مصلحة في نقل لبنان من مرحلة التقاصف السياسي إلى مرحلة الحرب الحقيقية بتنفيذ عملية اغتيال سياسية تستهدف شخصية محورية من النوع الذي يجلب اغتيالها ردود الفعل التي تشبه ما حصل على أثر وقوع جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.