دوحة عرمون ـ عامر ملاعبتتردد في أودية المناطق اللبنانية وسهولها، هذه الأيام، أصداء صراخ الرعاة وأجراس مواشيهم، وتتحول هذه المناطق، وبعضها مأهول، إلى ساحة مسيرات يومية لقوافل الماعز والغنم.
هؤلاء المتنقلون بين الساحل والجبل وسهل البقاع بفعل عوامل المناخ، اعتادوا ذلك منذ القدم وما زالوا مستمرين، وإن قلّ عددهم وانخفض عدد مواشيهم، وتعددت أزماتهم بسبب التمدد العمراني على حساب المراعي والأراضي البور المفتوحة أمامهم، وصعوبة المهنة وانتشار القذائف والقنابل العنقودية والألغام على نطاق واسع في الأحراج من مخلّفات الحرب الأهلية والاعتداءات الإسرائيلية.
ظاهرة الرعاة موجودة تاريخياً في هذه المناطق، وشكّلت بيئة اجتماعية وثقافية ونمط حياة، وحالة تواصل بين سكان القرى والوافدين أو المارين موسمياً، وكذلك مثّلت حالة انتظار وتحيّن فرص لهؤلاء لتبادل السلع والمواد الغذائية فيما بينهم. وكان أهل القرى ينتظرون مرورهم لتبادل البضائع معهم، منتجات زراعية مقابل المواشي. أما اليوم، فقد تغيّرت الحال، المواشي تنقل بالشاحنات المغلقة صيفاً وشتاءً، والتواصل ضعيف بين القاطنين في ضواحي القرى والمناطق المأهولة والرعاة ومنتجاتهم. يضاف إلى ذلك سرعة التبدل في الظواهر المناخية، الأمر الذي أدى إلى المكوث فترات أطول أو أقصر في الساحل.
هشام محمد (27 عاماً) يمتلك 60 رأس ماعز ويتنقّل بين منطقة دوحة عرمون شتاءً ومنطقة ضهر البيدر صيفاً، قال لـ«الأخبار» إن «هذه المهنة ورثتها عن أهلي، ونحن نعيش على هذا المنوال منذ أيام أجدادي، لكنها كانت في السابق توفّر لنا مورداً محترماً. أما اليوم، فإن المشاكل قد ازدادت، ونعاني أزمات معيشية وحياتية صعبة، وتغيّرات الحياة، دفعت بنا أحياناً إلى أماكن لم نعد نشبه أنفسنا فيها، وحتى هذه الحيوانات التي نربّيها لم تعد تشبه تلك التي كانت فيما مضى، أمراضها ازدادت وإنتاجها تغيّر، والأرض تبدّلت والأوضاع الاقتصادية ازدادت صعوبة. كان أجدادي يتنقّلون بين الجبل والساحل مع تبدّل الفصول، وكانت القطعان تُنقل مشياً عبر ممرات الأودية والطرقات الضيقة. أما اليوم، فإننا نواجه صعوبة في اجتياز بعض الشوارع أو الطرقات، حتى الفرعية منها، لئلا نعرّض القطعان لخطر الاصطدام بالسيارات».
أما زميله محمد جاسم (42 عاماً)، فهو ينتمي إلى عشائر عرب خلدة المنتشرة على ساحل قضاء عاليه، ولها ارتباطات عائلية مع سكان في البقاع الأوسط، ويمتلك نحو 250 رأس ماعز، فيؤكد لـ«الأخبار» أنه «لولا تعوّدنا هذه المهنة التي ورثناها عن أجدادنا، وعدم إتقاننا مهنة أخرى، لتركناها، وهي أصلاً متجهة نحو الاندثار لما تواجهه من صعوبات ومشاكل في كل الاتجاهات. وصعوبات التنقّل السنوي أولاها أننا نضطر إلى إرسال أولادنا إلى المدارس، وهذا يحتاج إلى الثبات في مكان واحد حتى انتهاء العام الدراسي، كذلك تزايدت أمراض الماعز والغنم لكثرة التلوّث والنفايات في الغابات وأحواض المجاري المائية، وترفض المواشي أحياناً شرب المياه من بعض الأحواض لتزايد مياه الصرف الصحي فيها. ويبلغ سعر كيلو الحليب الطازج 600 ليرة لبنانية فقط، وهو يأتي في موسم الربيع والولادات، ولا يستمر لوقت طويل، بينما يتضاعف الرقم عدة مرات في الحليب المجفف والمستورد من الخارج. كذلك فإن سعر رأس الماعز يساوي، بمعدل وسطي، مئة ألف ليرة لبنانية، ويتضاعف الرقم مع رأس الغنم، وكل الإنتاج يستهلك في السوق المحلي».
المراعي التي تجول فيها القطعان هي أراض مشاع، بحسب الرعاة، أو يستأجرونها من البلديات مقابل رسم يبلغ 5 ملايين ليرة لبنانية سنوياً، كما في بلديات عرمون والشويفات على الساحل، أو في بلدية عين دارة ومنطقة ضهر البيدر التابعة لها خلال فصل الصيف، شرط عدم التخريب في الحقول الزراعية وجانب المنازل السكنية أو الأشجار.