ثائر غندورمن يجُل في أوساط اليساريين المدعوين إلى لقاء يومي السبت والأحد تتردّد على مسامعه تأكيدات بالمشاركة، مترافقة مع تمنيّات بالنجاح ونقد للآليّات التي اتبعت في التحضير لهذا اللقاء.
لا يريد هؤلاء ذكر أسمائهم. يخاف البعض منهم عصبيّة حزبيّة تشتدّ ضدهم في حال فَشَل اللقاء، في حين أنّهم كانوا ينتظرونه من زمان، ويراهنون عليه في دفع اليسار ليأخذ موقعه الطبيعي، ويُسهم في فتح نقاش وطني لتغيير المعايير من طائفيّة إلى طبقيّة وسياسيّة.
في الوقت عينه، لا يريدون مقاطعته حتّى لا يُتَّهموا بأنهم سبب إفشاله، ولذلك يؤكّد العديد أنه سيكون حاضراً ومستمعاً يوم السبت، وإذا وجد أن هناك فرصة حقيقيّة للمشاركة فسيشارك.
يعدّد هؤلاء أخطاء كثيرة وقعت فيها قيادة الحزب الشيوعي خلال التحضير لهذا اللقاء الذي تأجل عاماً كاملاً. في رأي بعضهم أن وضع اليسار يحمل تأجيلاً لأشهر إضافية من أجل الانطلاق من قاعدة صلبة. كان يجب التشاور مع مجموعة من الشخصيات المعروفة بنضالها، ومع عدد من الشباب في إطار جلسات صغيرة لشيوعيين حزبيين وآخرين غير حزبيين. وتنتهي هذه الجلسات بورقة فكريّة ـ سياسيّة تتناول مختلف الجوانب التي على اليسار أن يناضل من أجلها، تُطرح في اللقاء الأوسع، بحيث يكون النقاش ذا هدف واضح.
«لكن الأوان لم يفت بعد» يقول أحدهم: «ما زال الوقت يسمح بوضع جدول أعمال للجلسة، حتى لا نضيعه في خطابات، إذ يستطيع كل واحد أن يقدّم أطروحة كاملة». لكن أوساط الأمين العام للحزب، الدكتور خالد حدادة، تقول إن الحزب يرفض أن يؤدي دور القائد لهذا اللقاء، رغم أن كلّ شيء يشير إلى أدائه لهذا الدور، وخصوصاً تحديد التوقيت.
مصدر في الحزب الشيوعي يقول إن تقديم الحزب للقاء لن يتجاوز عشر دقائق، يُفتح المنبر بعدها لمن يريد الكلام، ثم تحدّد عناوين لمَحاور يتوزّع عليها الموجودون ويبحثونها ويعودون إلى اللقاء بشكل جمعيّة عموميّة تُقرّر الشكل الذي سيتّخذه اللقاء وآليات التواصل والتنسيق بين الحاضرين الذي يتوزعون أحزاباً وشخصيّات.
ويحدّد الحزب في دعوته ثلاثة عشر عنواناً للنقاش. لكن القراءة الهادئة لهذه العناوين تسهّل تقسيمها إلى خمسة مَحاور:
ـ مناقشة تجربة القوى اليساريّة والتقدميّة في لبنان والعالم العربي لاستخلاص العبر منها وطرح تصوّرات لتطويرها.
ـ الهجمة الأميركيّة ـ الإسرائيليّة على المنطقة ودور قوى اليسار في مواجهتها، والعلاقة مع القوى الأخرى المناهضة لهذه الهجمة من قوى قوميّة وإسلاميّة وغيرها.
ـ الأزمة الطبقيّة ـ الطائفيّة في لبنان ووضع تصوّرات لتجاوزها.
ـ الوضع الاقتصادي ـ الاجتماعي، وكيفيّة مواجهة السياسات النيوليبراليّة.
ـ دور هذا اللقاء وهيكليّته وآليات التنسيق ضمن أطرافه.
ويشترط أحد الباحثين على المجتمعين الدخول في التفاصيل من أجل بلورة تصوّر واقعي. فهو يعيب على الاتحاد العمالي العام والنقابات اليساريّة، مثلاً، عدم معرفتها في تفاصيل المشاريع التي تجري دراستها للضمان الاجتماعي واتخاذ مواقف «بيضاء أو سوداء منها» من دون الدخول بتفاصيل هذه الأوراق التي تتضمّن أموراً إيجابيّة وأخرى سلبيّة. ويجب أن يكون النضال في هذا الموضوع عبر الدفاع عن الإيجابيّات ومحاربة السلبيّات.
وعلى الصعيد الوطني، يجب النظر إلى اتفاق الطائف من زاوية جديدة: هل نحن قادرون على إعادة تغيير موازين القوى بحيث نُنتج دستوراً آخر؟ وإذا لم نكن نملك هذه القدرة، فعلينا أن نعمل على إعادة تفعيل المواد الموجودة في الطائف والمتعلّقة بإلغاء الطائفيّة. ففي رأيه فشلنا منذ ستين عاماً في بناء دولة، وجرّبنا المارونيّة السياسيّة، ثم الحرب الأهليّة وفوضاها وتفكك المجتمع، ثم عشنا في ظّل أوهام شيعيّة ـ سنيّة سياسيّة برعاية سوريّة، واليوم نعيش وهم قدرة سنيّة سياسيّة تقابلها شيعيّة سياسيّة. يجب إعادة صياغة مشروعنا من أجل خرق النظام السياسي الطبقي ـ الطائفي.
وفي مجال مقاومة المشروع الأميركي، يضع «الرفيق» الموضوع في إطار أوسع: نحن أمام إعادة تموضع عربيّة، والفرز طاول الدول العربيّة، فما هو موقعنا في هذا الفرز؟ وهل يُمكننا أن نشكل جزءاً منه في شكله الحالي، أو نتجاوزه باتجاه صياغة يسار عربي يعيد إنتاج الفرز بشكل آخر؟
يبقى الشباب. أين هم من لقاء اليساريين؟ وهل حضورهم شكلي أم أساسي؟ هذا السؤال جوهري، إذ لا يُمكن حركة سياسيّة أن تنجح بدون دور فاعل للشباب، فكيف إذا كانت يساريّة؟
«الجميع في أزمة. 8 و 14 آذار، وكذلك اليسار»، يقول أحد الخبراء الاقتصاديين، ولهذا السبب على اللقاء اليساري أن ينجح، لأن للفشل عواقبه الوخيمة. لذلك يجب إيجاد وسيلة تضبط إيقاع الأفكار الكثيرة التي ستبرز في لقاء لا أجندة واضحة له.