جان عزيزما هي خلفيات الانتقاد الصريح الصادر عن بعض أصوات المعارضة، حيال العماد ميشال سليمان، وما هي أبعاد مكاشفة هذه الانتقادات بأن قائد الجيش لم يعد مرشحاً توافقياً للرئاسة؟
المراقبون والمواكبون للاتصالات وخفاياها، يشيرون إلى أن ثلاثة تفسيرات موجودة في «السوق» الإعلامية والسياسية لهذه الظاهرة. أول التفسيرات المذكورة، يحاول حصر القضية ضمن أطر شخصية أو حزبية أو فئوية، من زاوية تصوير المشكلة كأنها مقتصرة على ردود فعل سياسية حيال إشكالات مذهبية أو مناطقية سجّلت قبل أيام، علماً بأن المطلعين على دقائق الأمور، يؤكدون أن هذا التفسير لا يمكن أن يكون منطقياً في حصريته للمشكلة، ذلك أن الجانب الشخصي قد يكون صحيحاً وموجوداً، لكنه بالطبع ما كان ليبلغ هذا الحد من العلنية والجهد في الرفض وإطلاق النار السياسي، لو لم تكن قد أضيفت إليه أبعاد أخرى.
وهنا يبرز التفسير الثاني المعطى للكلام المعارض الرافض لـ«توافقية» ميشال سليمان، وخلاصته الإيحاء أن خلف الموقف المستجد رسالة سورية ما تهدف إلى إحراق ترشيح قائد الجيش. ويذهب أصحاب هذا التفسير أبعد في تحليلهم والاستقراء، فيشيرون إلى أن الموقف السوري «النقزان» من سليمان، تدرّج مرحلياً، وفق وتيرة التطور في العلاقات والتوترات العربية المرافقة. ففي مرحلة أولى اعتمد الصمت الكامل. ثم حاول في مرحلة ثانية توجيه رسالة ملتبسة قابلة لأكثر من اجتهاد وقراءة، عبر القول إن قائد الجيش سيظل صديقاً، مهما كانت مصائر الاستحقاقات والتطورات، قبل أن تنتهي «النقزة» السورية إلى رفض ترشيح ميشال سليمان علناً، كما سجّل أخيراً، وفق قراءة أصحاب هذا التفسير أنفسهم.
وفي هذا السياق يُلاحَظ أيضاً أن رافعي هذا القول يضمرون الاقتناع بأن أصواتاً معارضة مثل الوزيرين السابقين سليمان فرنجية وطلال أرسلان، تمثِّل إشارات مباشرة لحقيقة موقف دمشق. علماً بأن التدقيق في تطورات الأحداث في الأعوام الثلاثة الماضية، كما مراجعة خفايا ترشيح العماد سليمان نفسه وما رافقه، يؤكدان خطأ مثل هذا الاستنتاج التبسيطي. إذ أثبتت الوقائع والمواقف أن هذه الأصوات المعارضة نجحت في أن تكون مؤثّرة على قراءة سوريا للوضع اللبناني، أكثر بكثير من التأثّر بها.
وعند هذا الحد يبرز التفسير الثالث: لماذا تعلو أصوات معارضة رافضة لانتخاب ميشال سليمان؟ لأن الأسبوعين الماضيين، كما يكشف مطلعون، حملا طرحاً جديداً وجدياً، عُرِض على القوى المعارضة.
ومفاد هذا العرض ذي المصادر المتعددة داخلياً وخارجياً، تعالوا لنجزّئ الأزمة، ونقسِّط التسوية و«نمرحل» الحل. بمعنى فلنبدأ الآن وفوراً بانتخاب سليمان رئيساً، ومن ثم ننقل معركة المعارضة كاملة، بشقي الحكومة العتيدة وقانون الانتخاب، إلى مرحلة ما بعد انتخاب الرئيس. وترافق هذا العرض مع طرح تسويقي شامل حيال المعارضة، مضمونه الآتي:
1ـ تسهيل القوى المعارضة للانتخاب، يؤكد حسن نيّتها حيال الداخل والخارج، ما يعطيها عناصر قوة سياسية وإعلامية وشعبية، تساعدها على مقاربة معركتي الحكومة والقانون من موقع تفاوضي أقوى.
2ـ إن نقل المواجهة إلى ما بعد انتخاب الرئيس ينزع من أيدي الموالاة ورقة كبرى، هي تحوّل حكومة فؤاد السنيورة إلى حكومة مستقيلة منذ لحظة وجود الرئيس في قصر بعبدا. وهو ما يحرم الموالاة إمكانات سياسية ودستورية كبيرة، في المناورة والإدارة والحكم.
3ـ إن تعنّت فريق قريطم، بعد الانتخاب، لجهة إعطاء المطالب المتّفق عليها في النقاط الأخرى، سيؤدي إلى افتضاح نياته، في مواجهة التسليف الإيجابي للمعارضة، وهو ما سيعطي الأخيرة زخماً شعبياً يؤهّلها لمواجهة انتخابات 2009، في ظل استمرار الأزمة على حالها، مع فارق وجود رئيس منتخب وحكومة تصرّف الأعمال لا غير.
4ـ إن هذا الواقع، في حال الوصول إليه سيعيد تصحيح علاقة المعارضة مع بكركي والعديد من الجهات الخارجية المُسهمة في الوساطات، فيما يفضح مواقف الموالاة حيالها.
لماذا لم تقتنع المعارضة بهذين العرض والطرح؟ لأن ثمّة فيها من يسأل: وماذا لو انهالت الضغوط الداخلية والخارجية لاحقاً على الرئيس المنتخب، ليوقّع تكليفاً ثم تشكيلاً حكوميين، وفق رأي الموالاة؟ هل يصمد ميشال سليمان في وجه سيناريو كهذا؟ هل تصحّ عندها الحسابات السابقة، أم تنتهي المناورة إلى خسارة المعارضة كل شيء وحصد الحريريين كل شيء؟ جواب المعارضين لم يكن جازماً، ولا جامعاً حيال هذا التساؤل، وهو ما فتح باب الكلام عن «توافقية» قائد الجيش.