ابراهيم الامينتواجه سوريا اختباراً هو الأصعب منذ زمن بعيد. تهديدات جدية بالحرب عليها من إسرائيل، ورغبة أميركية بحصار دولي عام، وسعي من بعض الدول العربية لعزلها، إلى جانب الخصومات الناشطة ضدها من فريقي السلطة في لبنان وفلسطين. وتعرف القيادة السورية أن هذه الحملة مجتمعة، لها عنوان مركزي يتصل بالموقف السوري من السياسات الأميركية المتبعة في المنطقة، ووقوفها إلى جانب قوى المقاومة في لبنان وفلسطين، وإصرارها على اعتبار الوجود الأميركي احتلالاً يستدعي مقاومة مشروعة له. يضاف إليها ما تواجهه سوريا من أزمات خاصة بالوضع الاقتصادي والمعيشي، إلى جانب عقبات متنوعة، بينها ما هو داخلي يمنع عملية إصلاح شاملة في كل النواحي.
وسط هذه الأجواء، تنتظر سوريا القمة العربية المقررة في دمشق نهاية هذا الشهر. وهي تحسب دبلوماسياً وسياسياً كيف تطورت الأمور خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، وكيف كانت صورة الموقف، وكيف أصبحت عليه الآن. ويورد مصدر دبلوماسي بارز في العاصمة السورية الوقائع على الشكل الآتي:
أولاً: جرت محاولة لجعل القمة مرتبطة حصراً بالملف اللبناني، وقُدِّم هذا الملف على قاعدة أن سوريا تمثل عقبة رئيسية تحول دون إنتاج تسوية داخلية، وبالتالي جرت محاولات من خلال الاتصالات الثنائية أو من خلال اجتماعات عربية ـــــ عربية أو من خلال اتصالات دولية، لأجل تحميل سوريا المسؤولية الكاملة عن المشكلة اللبنانية، وبالتالي ربط قرار انعقاد القمة في دمشق بالتوصل إلى حل لبناني يقوم على قاعدة تقديم سوريا تنازلات مفترضة تقوم على فكرة الضغط على قوى المعارضة بغية القبول بالحل كما عرضته بعض العواصم العربية، الذي يتطابق مع وجهة نظر فريق السلطة في لبنان.
لكن جولات من التواصل الذي تم بين الدبلوماسية السورية ومختلف الدول العربية، إضافة إلى المناقشات التي جرت على مستوى وزراء الخارجية في مقر الجامعة العربية أو في أماكن أخرى، أتاحت تقديم شروح وتوضيحات، دلت على أن المشكلة اللبنانية لها أسباب متنوعة، بينها ما هو داخلي وهو حقيقي وكبير، وبينها ما يتصل بأدوار دول عربية، حيث ظهر بقوة أن السعودية مثلاً، تمتلك قدرة على التأثير في لبنان ربما كانت تضاهي التأثير السوري المفترض. حتى إن قيادات عربية عدة تغيرت الصورة لديها، وشعرت بأن نفوذ السعودية على قوى الأكثرية أقوى بكثير من نفوذ سوريا على قوى المعارضة، وأن هناك قوى بارزة في المعارضة مثل التيار الوطني الحر لا يمكن سوريا أن تفرض عليها شيئاً مباشرة ولا من خلال حلفائها، كحركة أمل أو حزب الله الذي أبلغ القيادة السورية مراراً أنه لن يترك العماد ميشال عون، وسوف يكون إلى جانبه، ولو أدى ذلك إلى انعكاسات سلبية عند أصدقاء للحزب في العالم العربي.
ثانياً: بدت المحاولات المصرية والسعودية غير ناجحة في تحقيق الأهداف المباشرة، إذ أعلنت سوريا أنها لا تقبل بربط القمة بموقفها من المسائل الأخرى، وبالتالي فهي غير مستعدة لأي نوع من المقايضة، ما يعني عملياً أن سوريا قالت بشكل أو بآخر، إنه حتى إذا طارت القمة، فهي لن تغيّر موقفها. ثم حصلت مجموعة من التطورات السريعة، كان أبرزها قرار الولايات المتحدة الأميركية إرسال بوارجها قبالة الشواطئ اللبنانية للتهويل على سوريا، وإذا بالنتيجة تخرج لغير مصلحة الولايات المتحدة، ولا مصلحة فريقها في لبنان. ثم جاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ليفتح الباب على الملفات الأساسية التي تتصل بأبرز قضايا العرب. ويبدو أن سوريا استفادت من هذين العاملين، ما انعكس تحولاً في موقف دول عربية كثيرة، كانت غير موافقة على الاستراتيجية المصرية ـــــ السعودية، ما أتاح تبدلاً في المواقف، وصولاً إلى قرار غالبية هذه الدول المشاركة في أعمال القمة، بمستوى تمثيل رفيع. حتى إن مصر نفسها شعرت بأن أي محاولة لمقاطعة القمة لن تفيد في تعديل جوهر الأمور، بينما قد تترك الآثار السلبية على أمور أخرى.
ثالثاً: حاولت دبلوماسية الدول التي تضع نفسها في حالة خصومة مع سوريا أن تبحث عن ذرائع أخرى تخص القمة من حيث الشكل، مثل الكلام على نوعية الضيوف المدعوين إلى القمة، أو طريقة دعوة لبنان أو السلطة الفلسطينية. لكن سوريا قررت سريعاً أنها لن تدعو رؤساء دول غير عربية إلى القمة، وهي ترى أنها قمة عربية وهناك ملفات عربية ـــــ عربية يجب أن تبحث، ولا حاجة لوجود ضيوف قد يتحول وجودهم إلى سبب تستخدمه بعض العواصم لإثارة مشكلة. أما في ما خص لبنان، فإن سوريا ترى أن القمة هي للعرب وليست لها، وبالتالي فإنها غير مسؤولة عن طريقة تمثيل لبنان في هذه القمة، ولن تتصرف وفق ما تراه هي كدولة مستقلة، بل من زاوية أنها تتولى توجيه الدعوات لقمة تخص كل العرب. وبالتالي جاء كلام الرئيس نبيه بري على ضرورة توجيه الدعوة إلى حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ليسهل على دمشق قرار الدعوة، التي سوف تكون من خلال مبعوث لوزير الخارجية السورية وليد المعلم إلى بيروت خلال وقت قريب جداً.
أما في ما خص التمثيل الفلسطيني، فإن سوريا المتفاهمة مع فصائل المقاومة الفلسطينية لم تتخذ موقفاً تظهر فيه متدخلة في الشؤون الداخلية الفلسطينية، وهي لم توجه الدعوة إلى حكومة إسماعيل هنية، وتركت الأمر في حدود ما يسحب كل ذريعة تنتظرها الجهات الراغبة في التعطيل.
وبحسب المصدر الدبلوماسي البارز في دمشق، فإن القمة باتت الآن في حكم الانعقاد، وإن الترتيبات الخاصة بمستوى تمثيل بعض الدول، ولا سيما مصر والسعودية، لم تعد أمراً جوهرياً لناحية أن الأمور توضحت، وأنه بات من الصعب ربط الموضوع بملف لبنان العالق، دون أن يقفل الباب على محاولة لمعالجة الأزمة اللبنانية على صعوبة الموقف، وعلى قلة التوقعات الإيجابية، لكن دمشق تتصرف بكثير من الحذر إزاء ما هو مرتقب من تطورات خلال الشهور القليلة المقبلة، وهي التي تعتقد أن الحسابات المنطقية لا تقود إلى توقع حرب شاملة قريبة، لكنها لا تستبعد جنوناً أميركياً من النوع الذي يقود إلى إشعال المنطقة. وهي ترى أن على العرب العمل لإمرار ما بقي من ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش بهدوء.