بعلبك ـ علي يزبكلم يتغيّر الواقع، فالفنانون التشكيليون والحرفيون أينما وُجدوا يعانون المشكلة نفسها. واليوم في منطقة البقاع لا يجد هؤلاء الفنّانون من ينقذهم، سواء أكان من الجهات الرسميّة أم الناس العاديين الذين يحجمون عن شراء اللوحات الفنية والأشغال اليدويّة. وأمام هذا الواقع، بات المستهلك يفضّل اللوحات والأشغال المستوردة من الخارج، لسبب واحد أنّ «المستورد أرخص من المحلّي».
والسبب الآخر الذي لا يقلّ أهمّية عن الأوّل أنّ الصناعات اليدوية تمثّل بالنسبة إلى غالبيّة المستهلكين ترفاً لا يستهوي سوى قلّة مترفة باتت شبه غائبة في المنطقة، وفق ما تشير إليه الحرفية فاطمة جمال الدين. جمال الدين التي ورثت مهنة التطريز اليدوي عن والدتها، لا تعوّل عليها اليوم، وتلفت إلى أنّه سابقاً «كانت النسوة تتهافت على شراء المطرّزات التي تدخل في جهاز العروس، وكنّ يفضّلن العمل اليدويّ». أمّا اليوم، فكلّ شيء تبدّل وحلّت الآلة مكان «صنّارة» جمال الدّين، وبثمن زهيد جدّاً مقارنة بالسعر والجهد الذي تبذله النسوة في التطريز.
وبعدما وجدت جمال الدّين أنّ «الصنّارة» لم تعد تؤمّن الدخل المطلوب، استعاضت عنها بصناعة حرفيّة أخرى، وهي صناعة أشكال متنوعة وملوّنة من فضلات النباتات والفاكهة. وتدخل مادّة السيراميك في جزء من صناعتها. ورغم ذلك، لم تصل إلّا إلى نتيجة واحدة «الحِرف لا تطعم الخبز»...باستثناء بضعة أيّام تستطيع من خلالها بيع بعض أشيائها في المعرض السنوي الذي يقام في بعلبك في إطار مهرجان التسّوق والسياحة، وما عدا تلك الأيّام القليلة، تعيش جمال الدّين صراعاً داخلياً، تتهيّأ معه لاتّخاذ قرارها النهائي باعتزال هذه المهنة.
وتؤكّد هيام وهبة التي تتقن الحفر اليدوي على السيراميك ما قالته زميلتها عن مهنة الحرف، فعملها هي الأخرى لا يؤمّن لها ثمن المواد الأوّلية اللازمة. وانطلاقاً من هذا الواقع، حصرت وهبة عملها في المهنة بتأمين طلبات بعض الناس فقط. لكنّها ترى في هذا العمل «موتاً بطيئاً للإبداع والموهبة».
أمّا الخطّاط علي حسين، الذي «سئم» مهنته، فيؤكّد أنّه يفتش عن عمل جديد، بعدما قضى فيها خمسة عشر عاماً. فهو يشعر بأنّه مع الوقت سوف يخسرها، وإن لم يتركها، وخصوصاً بعدما أصبح الكومبيوتر يقوم بعمله وبكلفة أرخص.
ويرى نقيب الفنانّين التشكيليين والحرفيين في البقاع عامر الحاج حسن أن الكثير من الحرف في طريقها إلى الاندثار، لأنّ الآلة حلّت محلّ كلّ شيء، ولأنّ أصحاب المهن يمرّون بظروف صعبة نتيجة عدم تصريف أعمالهم.
ولفت إلى «أنّ مدينة بعلبك التي كان فيها أكثر من ستين حرفة بات الحرفيون فيها قلة، وكان آخر ما خسرناه هو صناعة الزجاج والفخار».
وأشار الحاج حسن إلى أنّ النقابة أعدّت مشروعاً هدفه إقامة محترف فنّي دائم في بعلبك «لكي نبقي على هذا الإرث، فالأمّة التي ليس لها تاريخ، ليس لها مستقبل». ويتوخّى هذا المحترف تعريف اللبنانيين والسيّاح الذين يفدون إلى بعلبك بهذا الإنتاج وتنمية القدرات الفنّية عند أصحاب المواهب الجديدة، كالطلّاب، وإفساح المجال أمام إعادة هذه «الحرف» إلى اختصاصات الجامعات. كما يهدف المحترف أيضاً إلى تسويق أعمال الفنّانين الموجودين في المنطقة لكونها تعدّ مورد الرزق الأوّل لديهم.
وفي هذا الصدد، أكّد الحاج حسن أنّ المشروع لاقى قبولاً من الجميع، حيث أبدت بلدية بعلبك استعدادها لتقديم الأرض اللازمة لإقامة المحترف، إلّا «أنّ ما ينقصنا هو التمويل المادي. وهناك مساعٍ تبذل في هذا المجال، ونأمل أن نتمكّن من إنجاز هذا العمل لكي نحافظ على ما بقي من حِرف، ونعيد إلى الصناعات الحرفية وإلى الحرفيين والفنانين في المنطقة مكانتهم الطبيعية».
يُذكر أنّ المحترف سيتضمّن أعمالاً تعتمد على الخط والرسم والنحت والزخرفة وصناعة الخزف والأشغال اليدوية والموزاييك والأرتيزانا والتصوير والديكور.