البقاع ـ أسامة القادري«السجن أهون شراً من الانتقال إليه»، يقول موقوف سابق لـ«الأخبار»، واصفاً الساعات التي قضاها في سيارات نقل السجناء التابعة لقوى الأمن الداخلي. ق. ح الذي أوقف سنة ونصف سنة في قضية خرج منها بريئاً، لم ينسَ بعد ذلك «المشوار الذي يكاد لا ينتهي» من سجن زحلة إلى قصر العدل في بيروت، في فصل الشتاء، أثناء البرد القارس. يشير إلى أن عملية النقل تجري في سيارة مقفلة بالكامل، في داخلها مقعدان خشبيان متقابلان فقط. يوضع الموقوف في السيارة مكبّل اليدين خلف ظهره، «لتبدأ بعدئذ رحلة الرالي الطويلة»، ويصبح السجين داخلها ككرة التنس تتضاربه جدران الزنزانة المتحركة. وعند الوصول إلى المحكمة «لم أكن قادراً على الوقوف من شدة الصقيع، وكان جسمي يرتجف. بقيت أكثر من أسبوع أحس بالوجع في رأسي جراء الضربات التي كنت أتلقّاها كلما مررنا على منعطف». يتابع: «صدقني لم أكن أقيم حساباً لما سيصدر من حكم، بل كان كل همي التفكير في كيفية تحمّل جهد الانتقال إلى المحكمة، وخاصة أنني أعاني إصابة مزمنة في رجلي. فالمشوار طويل، والمنقول لا حول له ولا قوة له إلا في رجليه كي يدافع بهما، حتى لا يكون عرضة للوقوع والانزلاق بسبب السرعة الهائلة التي يقودون بها، حتى عند اجتيازهم المنعطفات، ناسين أن في الغرفة الخلفية بشراً، يترنّحون يميناً وشمالاً وتتلاطمهم الجدرانحال ع . ش. لا تختلف عن حال زميله من حيث طريقة النقل والقيادة المسرعة. يحمد ربه أنه لم ينقل إلى المحكمة وحده ولا مرة، إنما برفقة موقوفين آخرين تكبّل أيديهم بعضها ببعض. «نجلس خمسة أو ستة على المقعد، الذي لا يتّسع لأربعة. وبسبب السرعة التي تقاد بها السيارة، إذا وقع أحدنا، يسحب البقية معه. وفي أحسن الأحوال، إذا تمكّن الآخرون من البقاء في أمكنتهم، تكون الأصفاد قد ضغطت على معصمي الشاب المعلّق بزميله الذي وقع. كنا نقف أمام القاضي وأيدينا قد ازرقّت بسبب احتباس الدم». لكن كيف تبدو الحال داخل الغرفة الحديدية في فصل الصيف؟ يضحك ع. ش. متمتماً: جهنم. تشبه السيارة فرن الشواء. والعرق «بزرزب منا ومش قادرين حتى نمسحه».
أما ع. خ.، فيرى أن حال الموقوفين الذين ينقلهم الأمن الداخلي أفضل منها عند الشرطة العسكرية ومخابرات الجيش. إذ أحياناً، بحسب عدد من الموقوفين، يقبل رجال الدرك «طلب الموقوف أن تكبّل يداه إلى الأمام بدلاً من وراء ظهره». وقد التقت «الأخبار» عدداً ممن أوقفهم الجيش والشرطة العسكرية، فأكّدوا أن العسكريين لا يقبلون أبداً تكبيل الموقوف بيديه أمام جسده. يؤكد (أ. أ.) أنه عندما أوقف، نُقِل من البقاع إلى بيروت في إحدى السيارات العسكرية المكشوفة الأطراف، في يوم شديد البرودة: «يداي مكبّلتان إلى الخلف، وعيناي مغطّاتان بقماش أسود. كان الهواء يخترق عظامي. عنصر من الجيش إلى يميني وآخر إلى يساري. حالما أرفع رأسي قليلاً يبادرني أحدهما بدفعه إلى الأسفل مع الصراخ: «وطِّي راسك». وعندما وصلنا إلى بيروت، أدخلوني إلى غرفة حيث رفعوا الغطاء عن عيني، والأصفاد من يدي اللتين ازرقّ لونهما، وفقدت الإحساس فيهما لساعات طويلة، ولا أزال حتى اليوم أعاني «أكزيما» في كفي».