هل بدأ النظر إلى الوجه البائس لرؤية الوجه المشرق؟مقدّمة: اجتمع اليساريّون يوميّ أمس وأوّل من أمس. توتّروا في اليوم الأول، واستعادوا ذكريات صراعاتهم السابقة. وناقشوا بجديّة في اليوم الثاني من أجل بلورة مشروع ليسار أجمع الجميع على ضرورته. تذكّروا أن أفضل الأزمان بالنسبة كانت حينما استطاعوا تأليف جبهة موحّدةثائر غندور
سيتظاهر هؤلاء اليساريّون في الأول من أيّار سوياً، ليكون هذا التاريخ برمزيّته إشارة إلى محاولتهم لاستعادة موقعهم الطبيعي مع العمّال والنقابات والأساتذة والموظّفين،
في مواجهة مشاريع الخصخصة والينوليبراليّة ومن أجل إعادة للأجور قيمتها.
وسيكون لأيّار محطّة ثانيّة مع اليسار. ففيه ستنتهي لجنة الصياغة والمتابعة المنبثقة «بالتطوّع» عن اللقاء التشاوري من جولتها ولقاءاتها مع أغلب اليساريين «الذين حضروا أو لم يحضروا» ومع مختلف القطاعات النقابيّة والشبابيّة والمهن الحرّة والمناطق اللبنانيّة لعرض مشروع الوثيقة التي حضّرتها ومن ثمّ عقد «اللقاء التأسيسي الأول لليسار» في شهر أيّار.
افتتح أمين عام الحزب الشيوعي اليوم الأول بمداخلة قصيرة، «أتحوّل بعدها إلى مجرّد مشارك». فاعتذر مِمّن لم تتم دعوته وعن السرعة في عقد اللقاء، وأعاد تحديد الهدف من هذا اللقاء: «هو ربما العدد صفر من أي مطبوعة لكنّه يؤسس لتطوّر هذه المطبوعة».
وتحدّث عن إجماع الجميع على فشل الصيغة اللبنانيّة، «مع استعادة لنغمة طرح الفيديراليّة والطلاق». وأشار إلى مشكلة النظام اللبناني الذي يحوّل كل ّ إنجاز إلى فشل، مشيراً إلى انتصار تمّوز كمثل.
ورفض أن وضع الشباب اللبنانيّة أمام ثنائيّات من نوع الاختيار بين «التكتلات الاقليمية الكبرى والقوى الدينية»، وبين «طائفية قبيحة يقولون أنها تتسع للتآخي والتنوع، وخيار ديني يستحضر الغيب ليكون فاعلاً في الدنيا»، و«التبعية لسوريا والعداء لها»، و«سلم أهلي تقوده شبه دولة مستقلة، والحروب الأهلية»، وهو مثل وضع الناس بين خياريّ بن لادن والولايات المتّحدة الأميركيّة».
وتساءل حدادة عن إمكانيّة المقاومة بشكلها الحالي في تشكيل نموذج يُحتذى به في العالم العربي، الذي من الطبيعي أن يتأثّر بالعمليّة الديمقراطيّة فيما استطاع لبنان أن يبني هذه الديمقراطية، التي يجب أن تتلازم مع الحريّة والعروبة.
ثم بدأ اليساريون حديثاً غير مترابط أبداً. سأل أحدهم عن معدّل الأعمار وارتفاعه، معتبراً أن العنصر الشبابي هو الأولويّة والأساس، ووحده قادر على انتاج التغيير. وسأل آخر عن معايير اختيار المدعويين، خصوصاً مع وجود مقرّبين من قوى 14 آذار. وطرح عدد من هؤلاء القضايا التي يجب نقاشها فاستقرّ الرأي على ست وُرش:
ـ أزمة النظام السياسي في لبنان
ـ المشروع الأميركي وانعكاساته على العالم العربي
ـ الأزمة الاقتصاديّة ـ الاجتماعيّة
ـ أزمة اليسار اللبناني ومفهومه
ـ اليسار والعلاقة مع القوى الأخرى
ـ الآليّة التنظيميّة للقاء اليساري
ثم تدخّل «الأمين العام» ليختصر الوش إلى أربعة، ويُلغي الورشتين الأخيرتين، ليتم نقاشهم في الجمعيّة العامة للقاء. وكان الكاتب ومؤرّخ الحزب الشيوعي محمد دكروب وآخرين قد طرحوا عنوان عنوان إضافي هو الشأن الفكري والثقافي.
لكن الانطباع العام لليوم الأول لم يكن انطباعاً إيجابياً. من سمع تعليقات أغلب الحاضرين، واشمئزاز قياديين في الحزب الشيوعي من «العناصر غير الحزبيّة وغير المنضبطة» لا يستطيع إلّا القول إن اللقاء كان بحاجة إلى تنسيق أكبر.
وفي اليوم الثاني تغيّر الوضع. شارك ما يُقارب من الثلاثين شخصاً في كلّ ورشة وهو رقم أقل من نصف المشاركين في اليوم الأول. لكن «الأمين العام» وجد في الأمر إيجابية حقيقيّة. فبرأيه، كلّ مؤتمر «مدفوع» يحضر العشرات في اليوم الأول ولا يأتي سوى المنظّم وبعض أصدقائه في اليوم التالي، لإعلان توصيّات أُعدّت سابقاً، فيما حال اللقاء اليساري التشاوري مختلفاً. فقد طال نقاش ساعات الصباح لساعات ما بعد الظهر، من أجل ختيار العبارات الدقيقة التي يتبنّاها اليسار. وقد احتاجة اللجنة الاقتصاديّة ـ الاجتماعيّة للوقت الأطول بسبب وجود عدد من الخبراء الاقتصاديين. وهو الأمر الذي أدى إلى امتعاض بعض قياديي الحزب الشيوعي.
ورش العمل
توزّع «الرفاق» منذ الساعة العاشرة صباح أمس على أربع وُرش عمل تميّزت بنقاش جدّي وعميق ومتنوّع،
وقدّمت لجنة النظام السياسية اللبناني قراءة لمشكلة هذا النظام. فوجدت أن الأزمة «وطنيّة بنيويّة شاملة»، وهي أزمة كيان لها علاقة بتكوين البلاد في إطار خطّة التقسيم الاستعماري والتي حدّدت وظيفة اقتصاديّة وسياسيّة لهذا الكيان. كما أنّها أزمة نظام سياسي يقوم على المحاصصة الطائفيّة ويعيش في ظل نظام اقتصادي طبقي يُغذّي ثقافة الطائفيّة على حساب فكرة المواطنيّة والسيادو. وهذا نتيجة فشل قوى التحالف الطبقي المسيطر (الموالاة والمعارضة) في بلورة مشروع الكيان ـ الدولة.
وطرحت اللجنة مجموعة خطوات وجدتها ضروريّة لتجاوز هذه الأزمة. فعلى الصعيد المرحلي كان هناك شبه إجماع على وجوب الدفع باتجاه تطبيق البنود الإصلاحيّة في اتفاق الطائف لجهة إلغاء الطائفيّة السياسيّة والإنماء المتوازن والعدالة الاجتماعيّة. أمّا على الصعيد الاستراتيجي، فرأت بضرورة تجاوز الطائفيّة وبناء الدولة المدنيّة وهي مهمّة تقتضي حزمة من الإجراءات:
قانون انتخاب على أساس النسبيّة ولبنان دائرة واحدة ومن خارج القيد الطائفي، وتغيير الإعلام ليتحوّل إلى تعليم ديمقراطي شكلاً ومضموناً. كما أن استقلاليّة السلطة القضائيّة هو أمر ضروري في تحصين حقوق المواطن، وبلورة اقتصاد وطني منتج، وإقرار قانون مدني اختياري (أو إلزامي) للأحوال الشخصيّة.
بدورها أشارت لجنة الأزمة الاقتصاديّة الاجتماعيّة إلى معاناة معظم اللبنانيين من التردّي العام في أوضاعهم الاقتصاديّة والاجتماعيّّة. وهذا يبرز من خلال انعدام معدّلات النمو وتنحسار الاستثمارات المنتجة وفرص العمل، وازدياد التفاوت بين المناطق وانتشار ظواهر الفقر والتهميش وغياب العدالة. ورأت أن هذه التحوّلات تتزامن مع بلوغ العجز في موازنات الدولة والدين العام مستويات قياسيّة. وأضافت أن النواة الطبقيّة المتحكّمة تنتفع من واقع الآليّات الناظمة لعمليّة إدارة الدين العام، بينما يتحمّل غالبيّة اللبنانيين الوزر الأكبر من التبعات السلبيّة.
وتوصّلت، بعد تشخيص العوامل الأساسيّة للأزمة الاقتصاديّة ـ الاجتماعيّة المستفحلة، إلى أن الأزمة ليست أزمة عرضيّة ناجمة عن عوامل ظرفيّة أو موضوعيّة، ولا هي نتاج للكلفة الباهظة والمتراكمة للحرب الأهليّة المتمادية وللغزوات الاسرائيليّة المتكرّرة ولما اقتطع من موارد البلد على أيدي عهد الوصايات، بل هي نسق تاريخي للتطوّر الاقتصادي «أي أزمة نموذج أثبتت الأيّام أنه عصي على الإصلاح والتنغيير في ظلّ سيطرة تحالف طبقي ـ سياسي ـ طائفي، تغيّرت بعض أوجهه من دون تغيّر في أسسه وجوهره.
كما وجدت فيه اللجنة نموذج يقوم في جوهره على تحالف طبقيّ ضيّق يجمع حيتان المال والمصارف «والأشاوس» من أركان الطبقة السياسيّة وأمراء الطوائف. ورأت أن التنمية الاقتصاديّة ـ الاجتماعيّة لا يُمكن أن تكون مستعارة أو مستوردة، فلا «مؤتمرات باريس 1 و2 أو 3 تُنتج بلداً وجتمعاً وتنمية، كما أنها لا تُنتج عبر تدفقات أموال النفط من الخليج أو إيران أو غيرها من الدول.
واتفقت اللجنة على ضرورة مواجهة سياسات الخصخصة والقضاء على القطاع العام وتهميش إفراغ مؤسسات القطاع العام من دورها ووظفيتها. كذلك التصدي لسياسات الارتهان والشروط المفروضة من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وربط الاقتصاد اللبناني بسياست ماليّة نقديّة تؤدّي إلى تبعيّة سياسيّة واقتصاديّة.
وشدّت على ضرورة استرجاع الدولة لأملاكها البحريّة والنهريّة والأموال المنهوبة والمسروقة وربط الحد الأدنى للأجور بمعدلات غلاء المعيشة سنوياً واعتماد السلم المتحرّك للأجور.
أمّا لجنة «الهجمة الأميركيّة وأشكال مواجهتها، فقالت إن أهداف هذه الهجمة الأساسيّة هي تمكين الامبرياليّة الأميركيّة من استكمال سيطرتها على الثروات النفطيّة في المنطقة العربيّة والبلدان المجاورة لها، وتصفية كلّ بؤر المقاومة والممانعة الباقية مع ضمان أمن اسرائيل.
ولفتت إلى الوسائل التي تستخدمها الولايات المتّحدة لتطبيق سياستها، وهي تفتيت دول المنطقة على أسس عرقيّة وقوميّة ودينيّة وطائفيّة كما حصل في العراق وكما يُحضّر للبنان. كذلك تسعى إلى تحويل الصراعه الأساسي في المنطقة بين العرب وإسرائيل إلى صراع بين دول الاعتدال العربي بأغلبيّتها السنيّة والهلال الشيعي كن أسماه الملك الأردني.
وحدّد لجنة «أزمة اليسار» أسباب هذه الأزمة بانهيار المشروع الاشتراكي العالمي، هزيمة المشروع القومي العربي، فشل الحركة الوطنيّة وذلك بسبب تخلّف البنية الاجتماعيّة العربيّة واللبنانيّة، وتدخلات الدول الإقليميّة لإفشال مشروع اليسار، وغياب الديمقراطيّة داخل التنظيمات اليساريّة وفيما بينها وفقدان الصدقيّة والتمثيل.
ورأت ضرورة صياغة رؤية وبرناج موحّد عبر الممارسة المشتركة المعتمدة على مهام ملموسة ومشتركة، تحافظ على استقلاليّة اليسار وسط تحالف وطني ديمقراطي منفتح على التيّارت القوميّة والاسلاميّة المستعدّة لقبول منهجيّة اللقاء وأهدافه المشتركة.


غياب الفنّانين غير المبرّر
تبدّل جو «الرفاق» بين اليوم الأول والثاني، فتحوّل إلى مزاح وتبادل نكت، بينما كان مشدوداً في اليوم الأول. ولاحظ كثيرون أن من الفروقات الأساتسيّة بين اجتماعات ما قبل وهذا الاجتماع هو غياب التقرير الصادر عن اللجنة المركزيّة الذي يوافق عليه الجميع «مع بعض الملاحظات» كما كان يحصل. لكنّ أغلبهم ربط نجاح اللقاء التشاوري بالمتابعة التي يجب أن تحصل لاحقاً.
ولوحظ غياب أمين عام منظمة العمل الشيوعي محسن ابراهيم رغم دعوته، كذلك غياب الفنانين الملتزمين، وخصوصاً مارسيل خليفة الذي دعا حدادة المجتمعين في اليوم الأول إلى الانتهاء مبكراً من مداولاتهم للسماح لمن يرغب بالذهاب إلى مؤتمر الكتاب التي تنظمّه الحركة الثقافيّة ـ انطلياس لحضور تكريم خليفة، وهو الأمر الذي أثار اشمئزاز عدد من الشباب الذين كان عددهم قليلاً، خصوصاً مع غياب واضح لقطاع الشباب والطلّاب في الحزب الشيوعي. وعلّق عدد من المشاركين على «نكات» التي قالها عدد من أعضاء قيادة الحزب فوصفوهم «بالمشاغبين الذين يجلسون في الصفوف الأخيرة».