أنطون الخوري حربلا يبدّل التطبيع الهادئ بين البطركية المارونية، ممثّلة بالبطريرك نصر الله صفير والفئات السياسية ذات الأكثرية المسيحية والمارونية تحديداً، من واقع يحتّم ضرورة تطوير الأطر والآليات والضوابط في العلاقة بين الفئتين.
منذ القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان الإقطاعيون الموارنة، ومنهم على سبيل المثال آل حبيش والخازن، يشاركون في انتخاب البطريرك الماروني إلى جانب أساقفة الطائفة الذين كان يراعى في انتخابهم انتماؤهم الطبقي ومستواهم العلمي. ولكن بعد حصر الانتخاب البطريركي بالأساقفة، أسهم ذلك في إتاحة الفرص لتنامي العمل الحزبي لدى المسيحيين من دون إلغاء الدور السياسي البطريركي في أزمنة الصراع على هوية لبنان وطوائفه.
وترى مصادر مطلعة في الكنيسة المارونية أن «دور البطريرك صفير السياسي كان مبرراً ومطلوباً في زمن الاحتلال، لأن الصراع كان على وجود لبنان أو عدمه، ولكن بعد استعادة السيادة والاستقلال السياسيين، بات على المرجعية الدينية أن تحصر دورها بالتوجيه القيمي للتأثير على السياسيين في ثقافتهم الاجتماعية والوطنية، والابتعاد عن لعب دور الزعامة السياسية.
ثم تدخل الفاتيكان في التوتر بين بكركي ورجال السياسة عبر دعوة السفير البابوي في لبنان لويجي غاتي إلى وضع المركز البابوي، بواسطة رسالة رسمية مكتوبة، في أجواء الأزمة المسيحية بموضوعية وتجرّد، كما عبر تعامل وزارة خارجية الفاتيكان «الإيجابي» مع الوفود المدنية والدينية والسياسية التي تزورها وتتواصل معها منذ فترة غير قصيرة، وحتى عبر استقبالها ممثلين عن جميع الهيئات السياسية المسيحية.
وكان الفاتيكان في طور تجميع المعطيات قبل إرسال بعثة بابوية لمعالجة المشكلة، ولكن يبدو أن مسار الأمور تطور سريعاً ليؤدي إلى تعيين لجنة أسقفية قوامها المطارنة سمير مظلوم ويوسف بشارة وبولس مطر للاهتمام بالشؤون البطركية قبيل جولة للبطريرك صفير على أوروبا وأميركا، والتي ستكون طويلة جداً، وتشمل عدداً من دول المهجر، وقد تكون الأخيرة في مهامه البطريركية، على أن يبقى في موقعه تعاونه اللجنة المذكورة.
وكان مصدر في اللجنة الرباعية التي كانت تجتمع في بكركي قد أكد لـ«الأخبار» أن السفير غاتي يحاول منذ مدة تسوية العلاقة عبر خلق قواعد جديدة لها، لكنه لم يُقابَل بتسهيل بطريركي وسياسي.
وأفادت مصادر دبلوماسية بابوية بأن العلاقة بين الفاتيكان والدولة السورية تشهد مرحلة من «التفاهم العالي» بعد المعطيات التي رفعها منذ أكثر من سنة السفير البابوي في دمشق جيانو باتيستا مورانديني عن وضع المسيحيين في سوريا التي يتداخل مع البعد المسيحي الكاثوليكي اللبناني الديموغرافي والسياسي. وأكدت المصادر أن هذا الارتفاع في نسبة التفاهم السوري ـ الفاتيكاني لا بد أن ينعكس انفراجاً في العلاقات بين بكركي والمسيحيين المنضوين خارج تجمع 14 آذار.