لن يحصل شيء مقلق بعد القمّة... والحرب مستبعدةأحيا حزب الله أربعين الشهيد عماد مغنيّة في
مجمّع سيّد الشهداء في الضاحية الجنوبيّة باحتفال تخلّله تقديم أوبيريت غنائيّة مهداة إلى الشهيد، إضافة إلى كلمة للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله تحدّث فيها عن معركة الوعي بين المقاومة وإسرائيل لم تكن الشوارع الموصلة إلى مجمع سيد الشهداء في الرويس تُنبئ بما كان يُحضّر في المجمع لإحياء أربعين الشهيد مغنية. فالسير كان عادياً جداً وكذلك عجقة الناس في الخارج. أما في الداخل، فالمشهد كان مختلفاً، إذ إن الحشود الكثيفة ملأت قاعة المجمع آتية من مختلف المناطق وقبل موعد الاحتفال بنصف ساعة، بحيث لم يعد هناك مقعد خال. السياسيون حضروا على الوقت، ولم ينتظر منظّمو الحفل وصول ممثّل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب علي حسن خليل الذي تأخر ثلاث دقائق، فبدأ الاحتفال بتلاوة آيات من القرآنامتعض بعض الحضور من الشبان الذين كانوا يصفرون، وحاول أحدهم إسكاتهم بالقول: «هيدا أربعين مش عرس»، ولكن الشبان المتحمّسين ينتظرون ظهور السيد حسن ولم يأبهوا. بعد عرض الأوبيريت الخاصة بالمناسبة، بدأ الجمهور بالهتاف، ليظهر فجأة نصر الله على الشاشة العملاقة، فوقف الجميع يهتفون بحياته.
معركة الوعي
كان العنوان العريض لكلمة نصر الله «معركة الوعي بين المقاومين والعدو الإسرائيلي». في بداية مداخلته، أشاد نصر الله بالشهيد مغنية، ورأى أن الجميع يشعر بحضوره القوي، «وسيبقى موجوداً بعقله وذكائه ومدرسته وإرادته وعزمه وتخطيطه بين كل محبيه». ثم انتقل إلى الحديث عما كانت تحاول إسرائيل شنّه من معركة على مستوى الوعي منذ 1982 وحتى اليوم. ورأى نصر الله أن ما يميّز إسرائيل هو تمتّعها بتفوّق إعلامي كبير على مستوى العالمين الغربي والعربي، حيث استطاعت إحداث خروق لتنال من الأمة العربية وشعوبها على مستوى الوعي عبر الإعلام. النتيجة الحتمية في نظر البعض الذين يروّجون لفكرة أن إسرائيل حكم أزلي أبدي هي الاستسلام. وانتقد نصر الله من سمّاهم ضعاف النفوس ممن يرون أن خيار المقاومة غير منطقي والتضحية والاستعداد للشهادة ثقافة موت، «أما ثقافة الحياة فهي تحويل العدو إلى جار إقليمي».
وانتقد نصر الله «الأقلام المأجورة والمهزومة، وهذه من سيّئات الأقدار»، كما انتقد ثائرين وثواراً سابقين ومقاومين وعقائديين سابقين انقلبوا ليصبحوا أسوأ ممن كان مع العدو الإسرائيلي منذ البداية. ورأى أن هناك من يحاول تصوير المقاومين قطّاع طرق وتحويل العملاء إلى أبطال.
وقال إن المقاومة لم تكن قط في موقع رد الفعل في معركة الوعي، مشيراً إلى أن المقاومين في لبنان وفلسطين يصوغون اليوم الوعي الصهيوني الجديد. وإذ قسّم معركة الوعي ثلاث مراحل، رأى أن الأولى امتدت منذ 1982 وحتى 2000، وكان يعتبر فيها قتال إسرائيل ضرباً من الجنون، ولكن قامت مقاومة للعدو. وأشاد نصر الله بكل المقاومين لإسرائيل على اختلاف عقائدهم وانتماءاتهم وأحزابهم. ورأى أن المرحلة الثانية في معركة الوعي كانت في 2000 عندما قهرت المقاومة الجيش الذي لا يقهر بعد هزائم عربية «مسرحية» امتدت منذ حرب الـ67 التي عدّها مسرحية لا حرباً. فكان انتصار 25 أيار انتصاراً ثقافياً وفكرياً في معركة الوعي. واشار نصر الله إلى أنه منذ 2000 حتى اليوم لم يعد السؤال هو عن هزيمة الجيش الإسرائيلي بل عن إمكان زوال الكيان الصهيوني من الوجود بعد سقوط الخرافات المنسوجة حوله، فقدّمت حرب تموز الإجابة الإيجابية عن السؤال.
وقال إن القادة الإسرائيليين لم يتعلّموا من أخطائهم في لبنان، فغرقوا في غزة، ولم يستطيعوا تنفيذ هدفهم من العدوان وهو: وقف الصواريخ الفلسطينية على إسرائيل وإسقاط حكومة حماس. ورأى أن الفلسطيني سيوقف إطلاق الصاروخ عندما يقدّم له العرب خياراً آخر.
إثارة المخاوف
واستنكر نصر الله محاولة البعض تخويف اللبنانيين وإقلاقهم عبر المراهنة على حرب إسرائيلية جديدة والترحيب بالبارجة الأميركية دون خجل، وعدّها جزءاً من الحرب النفسية على الوعي والإرادة والعزم. وقال إنه من غير المرجح نشوب حرب لأنها ليست بالنزهة، وباتت أمراً مكلفاً، وقرارها لا تستطيع قيادات إسرائيل أن تتخذه بسهولة. وشدد على أنه ليس من مسؤولية اللبنانيين وحدهم إسقاط النظام الصهيوني.
وقال نصر الله: «الإسرائيليون قلقون ... فليبقوا قلقين... دمنا لا يسفك ويبقى في الطرقات». وأضاف أن المقاومة ستختار الزمان والمكان وطريقة العقاب ووسيلته للثأر من قتلة الشهيد مغنية، مشيراً إلى أن الإسرائيليين سيكتشفون في أي مواجهة أي حماقة ارتكبوها عندما اغتالوا مغنية. وأكد أن التفاوض بشأن الأسرى لم يتوقف باغتياله، بل استمر وحصلت لقاءات في الفترة الأخيرة.
القمة العربية
وقال نصر الله إنه رغم ما يحاول البعض إثارته من قلق حيال القمة العربية على المستوى الداخلي، فإن التطلعات قوية في شأنها وما يمكن أن تنتجه. وأكد أنه لن يحصل شيء مقلق بعدها، فالكل مصرّ على تسوية سياسية وبذل كل جهد سياسي لإخراج لبنان من أزمته. ورأى أنه لا يجوز إطلاق التصريحات التي عدّها «مراهقة» لمواجهة الأيدي الممدودة والمبادرات العديدة التي أطلقها قادة المعارضة، مثل الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون.
وأكد نصر الله أن المعارضة «تريد الخير للبنان» وقدمت تنازلات عديدة، والمحزن هو ما يطلقه بعض العرب والغرب من أن ما تطالب به هذه المعارضة غير مقبول. فيما أقصى ما تطالب به، وهي تمثّل جزءاً مهماً من الشعب اللبناني، هو المشاركة الحقيقية وقانون انتخابي عادل ومنصف.
وأكد البقاء في لبنان وعدم الهجرة و«لن نتخلى عن بلدنا ونعطيه للأميركيين»، مضيفاً أن المعارضة حريصة عليه وتعمل من أجل وحدته وأمنه واستقراره وقوته. وعاد نصر الله ليؤكد أن الأبواب مفتوحة لكل المبادرات والجهود بعد القمة العربية، آملاً أن تنتج القمة الحل أو آلية للحل.
ورحب نصر الله بالجهود التي تدعو إلى تنظيم المعارضة في إطار وطني. وقال إن حزب الله يؤيد المشروع أياً تكن الصيغة. وأضاف أن هناك حاجة لجمع الصف في إطار وطني واحد منظّم وواسع لمواجهة ما سمّاه «استحقاقات المرحلة المقبلة». وختم قائلاً إن ذكرى عماد مغنية لا تنتهي في هذا اليوم، «فهو كان عماد المقاومة في حياته وسيبقى كذلك في شهادته».


الثائر الأممي
أطلقت في الذكرى للمرة الأولى أوبيريت «الضوء المشذّى» من تأليف الشاعر أنور نجم وتلحين عبده منذر مع أوركسترا وكورس. وقد عرضت كلمات الأغنية على الشاشات الموجودة في القاعة ليتسنّى للجمهور المشاركة في الغناء، وكان جهاد مغنية (ابن الشهيد) يشارك في الغناء، فيما جدّه يقف إلى جانبه ويبكي.
الأوبيريت احتفت بالقائد والثائر العروبي و«المتنسّك الأممي الأسطوري»، والضوء المشذّى الذي أعلن عليه العزاء وبكته صارية الحسين وأتى من محاريب العبادة. كما أشادت كلمات الأوبيريت بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله «حامل سر النصر» لتدعو في النهاية أحرار العالم ليسيروا خلفه.