رغم انتهاء محكوميته قبل أكثر من 11 شهراً، لا يزال الدكتور سامي العريان معتقلاً في سجنه الأميركي، الذي دخله قبل خمس سنوات بتهمة دعم الإرهاب التي بُرِّئ منها. ولأن اتفاقه مع الحكومة الأميركية حرّره من التعاون مع السلطات، يرفض العريان طلب الشهادة في قضية ضد مؤسسة أميركية، وأعلن إضراباً عن الطعام قبل 22 يوماًحسن علّيق
«بعد نقلي بين عشرة سجون خلال السنوات الخمس الماضية، لا يزال السؤال: أين هي الجريمة»؟ يكاد هذا السؤال يختصر قضية الدكتور سامي العريان، المعتقل في الولايات المتحدة منذ شباط 2003، رغم انتهاء محكوميته في نيسان 2007. وهذا السؤال طرحه العريان في رسالة صوتية سُجِّلَت عبر الهاتف قبل يومين، وبُثّت أمس في اللقاء التضامني معه، الذي دعت إليه لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة في المنتدى القومي العربي، في رأس بيروت ـ فندق الكومودور. ورغم دخول إضرابه عن الطعام يومه الثاني والعشرين، أوحى صوت العريان برباطة جأش وهو يحيي الشعبين اللبناني والفلسطيني وسجناء الحرية على امتداد العالم. ورأى العريان في كلمته التي افتُتِح بها اللقاء أن قضيته هي «رسالة واضحة لكل من يحاول اختراق المجتمع المدني الأميركي على الصعيدين الرسمي والشعبي»، مؤكداً أنها تتجه نحو النصر الذي «سيكون نصراً لفلسطينبعد العريان، أعطى عريف اللقاء الدكتور هاني سليمان الكلام لرئيس الحكومة الأسبق الدكتور سليم الحص، الذي اقترح مطالبة جامعة الدول العربية والمشاركين في القمة العربية بالعمل على إطلاق سراح «المعتقل السياسي المناضل سامي العريان». أما زوجة العريان، السيدة نهلة النجار، فرأت في حكم البراءة الذي ناله زوجها في 6/12/2005 انتصاراً على أقوى حكومة في العالم، والتي «لن تستطيع تجريم دعمنا لفلسطين». وبعد كلمة الحص، تحدّث مدير مكتب ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عباس زكي متضامناً.
من هو سامي العريان؟
قبل خمس سنوات، وجّهت السلطات الأميركية 17 تهمة لسامي العريان، المولود في الكويت قبل 50 عاماً لأبوين فلسطينيين. وكانت أبرز هذه التهم دعم حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية. يعيش العريان في الولايات المتحدة منذ عام 1975، حيث أنهى دراسته الجامعية ليبدأ عام 1986 تدريس المعلوماتية في جامعة ساوث فلوريدا.
نشط المهاجر الفلسطيني في الدفاع عن الحقوق المدنية، وشارك بتأسيس عدد من المنظمات الحقوقية المدافعة عن حقوق الفلسطينيين، وأخرى هادفة إلى توحيد جهود العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، فضلاً عن إنشاء المدرسة الإسلامية في فلوريدا.
نشط العريان بالعمل ضمن قوة ضغط (لوبي) تدعم مرشحين لمناصب حكومية على أساس تأييدها للحقوق العربية والإسلامية والحريات الفردية، وقابل عدداً كبيراً من أعضاء الكونغرس، وشارك في نشاطات أقيمت في البيت الأبيض وفي وزارة العدل. كما كان فاعلاً خلال الحملة الانتخابية عام 2000.
شارك العريان في حملة لمناهضة قانون الأدلة السرية، الذي يسمح للادّعاء العام بعدم كشف أدلّته على التهم الموجّهة للمشتبه فيهم، منعاً لتعريض الأمن القومي للخطر. وقد نجحت الحملة في حشد 130 من أعضاء الكونغرس ضد هذا القانون.
بدأت متاعب العريان مع السلطات الأميركية بالظهور إلى العلن عام 1994، بعدما نشر الصحافي ستيفن ايمرسن معلومات تدّعي أن الأستاذ الجامعي رئيس لهيئة دعم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. في العام التالي، استشهد الأمين العام للحركة فتحي الشقاقي، وعُيّن زميل العريان في الجامعة، الدكتور رمضان عبد الله شلّح، خلفاً للشقاقي. وفي العام ذاته، أدرجت وزارة الخارجية الأميركية الحركة على لائحة المنظمات الإرهابية، قبل أن تبدأ السلطات الفدرالية تحقيقاتها مع سامي العريان.
عام 1996، أوقفت رئيسة جامعة ساوث كارولاينا العريان عن العمل مبقية على حقوقه المالية، قبل عودته إلى التدريس عام 1998 لأن الادّعاء العام لم يتمكن من التوصل إلى أي أدلة ضده.
خلال التحقيق مع العريان، سُجِنَ شقيق زوجته الدكتور مازن النجار بناءً على «أدلة سرية» (رُحِّلَ عام 2000 إلى لبنان ومنه إلى مصر). وبعد أحداث 11 أيلول 2001، قال وزير العدل الأميركي جون أشكروفت إن العريان هو «قائد حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني في أميركا»، و«أمين مجلس الشورى العالمي للتنظيم». وسمى أشكروفت 7 شركاء له، أبرزهم الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان عبد الله شلَّح. بعد هذا التصريح، أوقف الدكتور سامي عن التدريس مجدداً بمنحه إجازة مدفوعة الأجر.
القضية لم تنتهِ عند هذا الحد. فبعد التصديق على القانون الوطني (Patriot act) الذي يسمح للأجهزة الأمنية الأميركية بالتجسس على المشتبه فيهم بالصلات مع منظمات إرهابية، أوقفت السلطات العريان يوم 20 شباط 2003 بعدما وجّهت له تهم دعم منظمة إرهابية.
بعد التوقيف، فُصِل الأستاذ الجامعي من وظيفته، ووضع في زنزانة انفرادية بقي فيها أكثر من سنتين حتى بدأت محاكمته. لكن، وبعد ستة أشهر، أعلنت هيئة المحلفين براءة العريان من 8 تهم، على رأسها دعم الإرهاب، ولم تتمكن من الاتفاق على بتّ التهم الأخرى.
ومنتصف عام 2006، حصل اتفاق بين الحكومة الأميركية ووكلاء العريان قضى بإسقاط التهم التسع الباقية عنه، مقابل اعترافه بتهمة واحدة، وهي: تقديم خدمات لأشخاص على علاقة بحركة الجهاد الإسلامي، وكان المقصود بهذه التهمة نسيبه مازن النجار الذي لم تستطع السلطات الأميركية إثبات انتمائه إلى الحركة المقاومة.
انهاء المحكومية والبقاء في السجن
ونتيجة للاتفاق المذكور، صدر بحق العريان حكم بالعقوبة القصوى لهذه التهمة، وهي السجن 57 شهراً، انتهت في نيسان الماضي. لكن، وبحسب ما قالت زوجة العريان السيدة نهلة النجار لـ«الأخبار»، طلب المدعي العام الفدرالي غوردن كرومبرغ زوجها للشهادة في تحقيق مع مؤسسة إسلامية أميركية. رفض العريان الشهادة لعدة أسباب، أولها، مبادئه التي تقضي بعدم الشهادة ضد أبرياء، وثانيها أن هذا الأمر مناقض لاتفاقه مع الحكومة والذي حرره من أي التزام تجاه السلطات، وثالثها خشيته من تلفيق تهمة الشهادة الكاذبة له. وقد استطاع المدعي العام الإبقاء على العريان في السجن لأن قانون «الاستدعاء للشهادة» يسمح له بذلك.
وأضافت النجار أن السلطات الأميركية وضعت زوجها في سجن المقاطعة الواقع في مدينة وارسو بولاية فيرجينيا، رغم كونه متهماً فدرالياً، وذلك بهدف إبعاده عن العالم الخارجي، وخاصة وسائل الإعلام.
تحدّثت النجار عن إضراب زوجها عن الطعام قبل أكثر من عام، والذي استمر 60 يوماً. وعن ظروف الدفاع الذي يموِّل عمله عبر صندوق تبرعات، قالت إن هناك خشية من أن توجّه السلطات تهماً جديدة لزوجها، لأن الصندوق المذكور شبه فارغ، وبالتالي لن تتمكن العائلة من توكيل محامين. ورأت النجار أن قانون «الاستدعاء للشهادة» ليس في مصلحة زوجها، رغم أن اتحاد المحامين الأميركيين يدعم القضية، وكذلك تجمع كبير من الكنائس.