أنطوان سعدبعد جردة حساب بسيطة وعرض دقيق لمواقف البطريركية المارونية في العام المنصرم من القضايا التي طرحت على الساحة اللبنانية، تبين لبعض قيادات الصف الثاني في المعارضة، وبخاصة في الجانب المسيحي منها، أن استمرار الفتور في العلاقة بينها وبين البطريركية لا معنى له ولا جدوى منه. وبغض النظر عن انتقادات بكركي وسيدها لجملة قضايا أساسية تنسجم مع اعتراضات المعارضة، مثل تحقيق المشاركة والعدالة في المؤسسات الدستورية والإدارية وقانون الانتخاب، يتلاقى البطريرك الماروني نصر الله صفير مع أركان المعارضة على مبدأ رفض انتخاب رئيس الجمهورية بالنصف زائداً واحداً، وكذلك توسيع الحكومة وتعيين وزراء فيها.
في المقابل، تبدي البطريركية المارونية اهتماماً لافتاً بتقريب وجهات النظر بينها وبين القيادات السياسية المسيحية في المعارضة، في مقدمة لأداء دور الجسر بين هذه الأخيرة والقيادات المسيحية في الموالاة. ففي اقتناعها، وخصوصاً بعد تعثُّر المبادرة العربية وشعور الجميع بأن الانتخاب الرئاسي قد دخل في غياهب المجهول، أن حل الأزمة اللبنانية الراهنة بات يكمن في الدرجة الأولى في إمكان تحقيق تفاهم بين القيادات المسيحية على القضايا الخلافية. إذ إن الخلاف على الحصص الوزارية وقانون الانتخاب هو في النتيجة على الوزراء والنواب المسيحيين، باعتبار أن «المستقبل» و«الاشتراكي» و«حزب الله» و«أمل» تحتكر التمثيل الوزاري السني والدرزي والشيعي، فيما الخلاف على تقسيم الدوائر الانتخابية هو أيضاً على الجهة التي سوف تستفيد من ملء المقاعد المخصصة للمسيحيين.
انطلاقاً من هذه المعطيات، تحركت المساعي بين رئيس أساقفة بيروت، المطران بولس مطر، وأمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان، بعيداً عن الأضواء في معظم الأوقات، لتحقيق تفاهم بين القيادة التاريخية الوطنية والروحية التي تمثلها البطريركية المارونية والقيادة المسيحية الأكثر تمثيلاً للمسيحيين في مجلس النواب. وسرعان ما حصدت هذه المساعي بركة البطريرك صفير والعماد ميشال عون، وقطعت شوطاً مهماً بعدما اتفق الجانبان على عدم إيلاء الجانب الشكلي الأهمية الأولى والشروع في بحث الملفات التفصيلية التي تُمثِّل موضع خلاف بين اللبنانيين وتعين انتخاب رئيس الجمهورية.
وقد دار البحث خصوصاً حول موقف الكنيسة الداعي لملء الفراغ سريعاً في رئاسة الجمهورية، فيما شدد العماد عون وممثله النائب كنعان على «ضرورة تحقيق الموقع المخصص للمسيحيين في النظام اللبناني وتأمين مقومات ملء الفراغ في المرحلة الفاصلة عن موعد إجراء الانتخابات النيابية في العام المقبل، وبخاصة لجهة إقرار قانون الانتخابات النيابية وعدم تكرار ما جرى سنة 2005». وحذّر التيار الوطني الحر من التناقض الظاهر في هذا الموضوع بين قيادات الأكثرية، مبدياً خشيته أن يكون هدفه تضييع النقاش والمماطلة بانتظار حلول موعد الانتخابات النيابية من دون إقرار قانون جديد لكي تجري بناءً على قانون عام ألفين. بينما طالب المطران مطر بأن يترفع المسيحيون في الموالاة والمعارضة عن الاصطفافات التي تهدِّد استقرار البلاد، وأن يتحولوا إلى «جسر عبور بين الطرفين لمساعدتهما على التفاهم».
وتعرب الأوساط القريبة من المطران مطر والعماد عون عن تفاؤلهما إزاء المساعي الجارية. فالأول، وفق المصادر المطلعة، ارتاح لما سمعه من الثاني شخصياً عن أن التواصل مع بكركي «أمر طبيعي وضروري»، فيما رأى الثاني تصريح الأول إيجابياً عن أن الكنيسة ليست ضد قانون 1960، بل تريد إدخال تعديلات عليه. وما تم الاتفاق عليه أيضاً أن تشمل عملية التقارب في المرحلة الثانية معالجة لوضع الوزير السابق سليمان فرنجية الذي تحرص أوساط عون على وضعه في أجواء الاتصالات مع المطران مطر، علماً بأن هذا الأخير اتصل هاتفياً بفرنجية للمعايدة وترطيب الأجواء، ودار بينهما حديث لم يخرج عن إطار المجاملة والبروتوكول على حد تعبير مصدر مسؤول في تيار المردة.
ورغم أن اللقاءات لا تتطرق بصورة أساسية إلى موضوع زيارة رئيس تكتل التغيير والإصلاح إلى بكركي، فإن الأوساط المتابعة لا تستبعد قيامه بها خلال الأسبوع الجاري أو الاستعاضة عنها بإرسال وفد رفيع المستوى يتقدم من البطريرك صفير بالمعايدة باسمه، «فأسبوع المعايدة لا يزال في بدايته»، على ما تقول هذه الأوساط. وهي تشير أيضاً إلى أن الاتصالات بين الطرفين مستمرة وقد تشهد تقدماً ملحوظاً في الأيام القليلة المقبلة.