أنطوان سعدترك خبر اجتماع المطران بولس مطر بالعماد ميشال عون قبل يومين في الرابية بحضور الوزير السابق سليمان فرنجية، إضافة إلى ما يشاع عن تقدم في المساعي التي يجريها مطر والنائب إبراهيم كنعان، مزيجاً من الارتياح والاستياء في الأوساط المسيحية.
ارتياح لإمكان تحقيق تقارب بين القيادات المسيحية، تكون بكركي جسراً له، ويكون منطلقاً لتحقيق التوافق المطلوب بين اللبنانيين، واستياء من إمكان تجاوز التطاول الخطير الذي حصل على البطريركية المارونية.
وفيما أعربت الأوساط المسيحية عن أملها لأن يتجاوب الطرفان المسيحيان، الموالي والمعارض، مع دعوة الكنيسة المارونية للخروج من الاصطفافات والتحاور والتوصل إلى توافق يلزم الحلفاء من الطرفين، سبَّب خبر الاجتماع صدمة عبّرت عنها الحوارات في عدد من المواقع الإلكترونية الموالية التي وصل بعضها إلى حد اعتبار «العونيين محقين» في تشكيكهم بصلابة البطريرك الماروني نصر الله صفير أو التساؤل عن جدوى أن تحاول الضحية مجدداً استرضاء جلادها، وعن كيفية ردع الإساءات عن بكركي إذا لم تأخذ هذه الأخيرة مواقف حازمة من المسيئين إليها.
ليس الوضع جديداً على البطريرك، إذ كان عليه منذ انتخابه أن يوازن بين التضحية والتنازل من أجل خير الرعية والبلاد والتصلّب دفاعاً عن هيبة المؤسسة الأقدم والأعرق في لبنان. وفي ما يلي بعض الأمثلة عن طريقة تعامله مع الإساءات الموجهة إليه من القيادات المسيحية، لأنه غالباً ما أحجم عن الرد على القيادات الإسلامية:
* عندما شنّت القوات اللبنانية بقيادة الدكتور سمير جعجع، الوحيد في المنطقة الشرقية آنذاك الذي قاطع حفل تنصيب البطريرك الجديد، حملة انتقادات عنيفة عبر وسائل إعلامها استمرت أشهراً، تصلّب سيد بكركي وواجه تجاوزات القوات في تصفية مناصري خصومها وأصدر بيانات «استنكرت وقبّحت بمنتهى الشدة». وكذلك فعل بعد عامين، حينما منعت القوات اللبنانية الصحف الصادرة في المنطقة الشرقية نشر مقطع من بيان مجلس المطارنة «يدين» إعدامها سمير زينون وغسان لحود «لخروجه عن مبادئ الدين المسيحي الذي ينهى عن القتل». إذ رأى مجلس المطارنة في بيانه في الثاني من آذار 1988 «أن إسقاط مقطع بالأساليب المعروفة من البيان الصادر في السابع عشر من شباط الفائت، أقل ما يقال فيه أنه انتهاك لحرية الكلمة والإعلام التي يتميز بها لبنان».
* بعد إعلان عون حرب التحرير، دعا البطريرك النواب المسيحيين المقيمين في المنطقة الشرقية إلى الاجتماع في الثامن عشر من نيسان 1989.
توجّس رئيس الحكومة الانتقالية وأرسل تظاهرة طلابية في الثامنة من صباح ذلك اليوم إلى بكركي حيث أقفلت الباب الخارجي للصرح ومنعت النواب الثلاثة والعشرين الذين لبَّوا الدعوة من الدخول، فأصر سيده على فتح الباب واستقبال النواب الذين أصدروا يومها بياناً معتدلاً أثار سخط عون، لأنه لم يُدِن الاحتلال السوري، ولم يدع إلى إنهائه فوراً.
فجرّد الجنرال ثلاثة وعشرين تظاهرة ضد بكركي. وعندما وقع الاعتداء على المقام البطريركي وشخص البطريرك مساء الخامس من تشرين الثاني من العام نفسه، تمسك سيد بكركي بمواقفه، وثبت عليها، رغم إيفاد نائبه العام المطران رولان أبو جودة إلى قصر بعبدا في الأول من كانون الأول تعبيراً عن عدم موافقته على اقتحامه بالقوة كما كان الرئيس إلياس الهراوي يهدد في حينه. ولم يزر البطريرك عون إلا في السادس عشر من شباط 1990 بعد أيام على اندلاع الحرب في الشرقية وعدم رد العماد عون والدكتور جعجع على اتصالاته الداعية إلى وقف الحرب.
* أيام الهيمنة السورية، طلب البطريرك من أمانة سره عدم إعطاء مواعيد للوزير جان عبيد لمدة ثلاثة أشهر تقريباً بعد انتقاد الأخير علناً البطريرك من على درج الصرح، إلى أن صادفه في مناسبة اجتماعية وتفاهم معه على لقاء مصارحة وعتاب «انتهى إلى طيِّ صفحة الماضي»، وفق ما ذكر البطريرك في مفكرته الشخصية. أما النائب رشيد الخازن الذي انتقد مجلس المطارنة بقسوة أيضاً، فقد أصر سيد بكركي على أن يذيع رسالة اعتذار ولم يستقبله إلا بعدها.
لقد تميز البطريرك صفير بالصلابة، لكنه لم يقبل يوماً بأن تكون إرضاءً لأنانية، لذلك كان دائماً مستعداً للتنازل والتضحية من أجل الخير العام، وخصوصاً في المنعطفات الخطيرة، كما اليوم. عسى تنازله يعمم على من أساؤوا إلى الإرث البطريركي وعلى من يتمسكون بحصص نيابية ووزارية، ولو أدى الأمر إلى احتراق البلاد.