دمشق ـ إيلي شلهوبتبدو سوريا مزهوّة بـ«نصر» ترى أنها حققته في معركة انعقاد القمة العربية على أراضيها وفي موعدها المحدد. نصر تسعى إلى تكريسه يوم غد السبت بضمان مشاركة مقبولة للزعماء العرب في مؤتمرهم العشرين. لكنها لا تزال تخشى عليه من «الجهود الأميركية» التي تسعى للحؤول دونه. بل أكثر من ذلك، تسعى دمشق إلى إنجاح هذه القمة، وتمييزها عن سابقاتها بمحاولة جعلها قمة «التضامن العربي» و«المكاشفة»، وتجنيب العلاقات العربية ـ العربية «الانقسام والعداوة».
أولى بوادر هذا «النجاح»، بحسب أكثر من مصدر سوري مسؤول تحدثوا إلى «الأخبار»، حضور 18 وزيراً اجتماع الوزراء الخارجية العرب يوم أمس، في سابقة تقول المصادر نفسها إنها الأولى من نوعها منذ ثماني سنوات. وتضيف إنه إذا ما تم احتساب المقاطعة اللبنانية لأعمال القمة وتغيب وزير الخارجية الصومالي للظروف الخاصة التي تمر بها بلاده، فإن التمثيل المنخفض المستوى في هذا الاجتماع يكون قد اقتصر فقط على السعودية ومصر. وتضيف مصادر إعلامية سورية، لـ«الأخبار»، أن الحضور الكامل لوزراء خارجية دول مجلس التعاون لاجتماع الأمس يشير إلى تراجع نفوذ السعودية في الخليج، وفشل مساعيها في دفع هذه الدول إلى الاقتداء بها. وتضيف المصادر نفسها أن «ما رافق انعقاد القمة من محاولات لإفشالها عزز الشرخ في العلاقات السورية ـ السعودية وهدد العلاقات السورية ـ المصرية».
وترى مديرة دائرة الإعلام الخارجي في وزارة الخارجية السورية، بشرى كنفاني، في حديث إلى «الأخبار»، أن «قمة دمشق نجحت» و«هذا النجاح صنعته علاقات سوريا بالدول العربية وقرارات تلك الدول بهذا الصدد»، مشيرة إلى أنه «كان من المتوقع أن يقاطع لبنان. طالما طالبت الولايات المتحدة بمقاطعة قمة دمشق، لأن الأكثرية تتأثر بشكل هائل بما تقوله الإدارة الأميركية». وشددت على أن «المقاطعة هروب لأنه كان بالإمكان أن يكون مؤتمر القمة لمصلحة لبنان من خلال فتح المجال لطرح ما لديه على أعلى مستوى». وتمنت «لو أن لبنان كان ممثلاً تمثيلاً مقبولاً، فهذا سيزيد فرص وضع بداية لحل الأزمة في لبنان»، مؤكدة أن «سوريا تريد حلاً للأزمة اللبنانية؛ والحل هو في الالتزام بالمبادرة العربية على أساس التوافق اللبناني وضمن إطار سلة متكاملة».
لكن الاستياء السوري بدا واضحاً من الهجمة الشرسة التي تشنها عليها الأكثرية الحاكمة في بيروت، وفي مقدمها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، التي وضعتها دمشق في خانة «المشروع الأميركي» الذي يستهدف المنطقة، مشيرة إلى أنها ستكون أول الراحلين عندما يتم البدء بوضع حل للأزمة في لبنان.
وقال المندوب السوري لدى جامعة الدول العربية، يوسف أحمد إن «وزير الخارجية السوري قال أمس (الأربعاء) إن حكومة السنيورة أضاعت فرصة أساسية. نحن نعتقد أن هذه الحكومة تسير في المخطط الأميركي الذي يهدف إلى استمرار بقاء حكومة السنيورة. ولو أنهم حضروا إلى هنا وسار الاجتماع بالشكل الصحيح لبدأت بدايات حل الأزمة اللبنانية»، مشيراً إلى أن «أول المستهدفين عندما ينطلق قطار الحل هو ذهاب حكومة السنيورة».
وأضاف أحمد «إننا لا نتحاشى طرح موضوع لبنان على وزراء الخارجية، ولو حضر لبنان فإن الرئيس السوري كان سيطرح الأزمة اللبنانية بتفاصيلها الكاملة أمام القادة العرب لوضع خطة عمل للخروج من المأزق، لكن هم آثروا الغياب والطرف المساعد لمجموعة السنيورة آثر أيضاً الغياب».
وذكرت مصادر مطّلعة على ما دار داخل الجلسة المغلقة الأولى لوزراء الخارجية العرب أنهم، وفي ظل «التغيب المصري والسعودي الرفيع عن الاجتماع، فضلوا حصر الحديث في الملف اللبناني على تجديد مقررات اجتماع القاهرة قبل نحو شهر، منعاً لأي خلافات». وأوضحت أن «الموضوع اللبناني مر بشكل عارض وتم ترحيله إلى اجتماع القمة».
أما في ما يتعلق بالجلسة المغلقة الثانية للوزراء العرب، فوصف أحمد ما جرى في خلالها بأنه «حدث جديد وسابقة فريدة من نوعها، في تاريخ الاجتماعات العربية الأخرى». وأضاف إنها «المرة الأولى التي يتداول الوزراء العرب بالكثير من القضايا العربية والعلاقات العربية ـ العربية بكثير من العلمية، بكثير من الواقعية، بكثير من الصراحة... إنها النكهة الدمشقية التي هيمنت على الاجتماع العربي. هذا ما يضيفه المكان إلى الاجتماع العربي، هذه علامة فارقة جداً من علامات نجاح قمة دمشق، وللذين راهنوا على فشل قمة دمشق أقول إن القمة تسير بنجاح نحو أهدافها».
وحول تناول العلاقات السورية ـ السعودية في الاجتماع، قال أحمد إن «الحديث كان عن كل العلاقات العربية ـ العربية وليس فقط العلاقات السورية ـ السعودية، فالأزمة ليست في العلاقات مع السعودية، هناك علاقات عربية ـ عربية، تم بحثها».
وكان المعلم قد أكد، بعيد انتهاء الجلسة المغلقة الأولى، أن الأجواء داخله «كانت ممتازة جداً». ونفى، لـ«الأخبار»، بشكل قاطع أن يكون قد وجّه أي انتقادات للسعودية خلال كلمته الافتتاحية، أو أن يكون حمّلها مسؤولية غير مباشرة عن عرقلة حل الأزمة اللبنانية.
وقال المعلم، في كلمته، إن «الجهد السوري وحده لا يكفي» لحل الأزمة اللبنانية، مضيفاً أن هذا الجهد «لا بد أن يكون مشتركاً تقوم به كل الأطراف العربية التي لها في لبنان صداقات وتأثير، وأخص بالذكر الأشقاء في المملكة العربية السعودية، الذين يملكون تأثيراً قوياً على الأكثرية لا تملكه سوريا».
وشدد المعلم على أن «سوريا تريد لبنان سيداً مستقلاً ومستقراً، وواهم جداً ومخطئ من يظن أو يريد أن يظن غير ذلك»، مشيراً إلى «أننا أول المتضررين من تأزم الأوضاع في لبنان وسنكون أول المستفيدين من استقراره».
وتوقعت مصادر إعلامية سورية أن يعمد الرئيس السوري بشار الأسد إلى إلقاء خطاب شامل يعرض في خلاله جميع القضايا والأزمات التي تواجهها الأمة العربية، مشيرة إلى أن الجلسة الافتتاحية للقمة ستتضمن، إضافة إلى خطاب الأسد، كلمة للأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، وكلمات لمن يرغب من القادة العرب المشاركين دون غيرهم.