strong>جرت العادة أن تكتفي قوات اليونيفيل العاملة في الجنوب بتعداد الخروق الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، لكن اللافت في عمل الأمم المتحدة هو عدم توصّل تحقيقاتها إلى تأكيد الخروق، حتى لو أدّت إلى مقتل عاملين دولييننيويورك ــ نزار عبود
خسرت قوات اليونيفيل المنتشرة في الجنوب منذ بدء عملها العديد من أفرادها في اعتداءات إسرائيلية مباشرة، كما حصل إبان حرب تموز، عندما قُتِل أربعة ضباط مراقبة من لجنة الهدنة من أربع دول مختلفة، الصين وكندا والنمسا وفنلندا. وبعد «التحقيق» في الحادث الأخير، برّأت الأمم المتحدة إسرائيل من القتل المتعمّد، مع أن المركز المستهدف الكائن قرب معتقل الخيام قائم منذ «هدنة» عام 1949. وجاء في آخر تحقيقات كندية خاصة أن «المركز كان شاهداً على جرائم حرب ترتكب بحق المدنيين في جنوب لبنان»، حسب قول سينثيا، زوجة المراقب الكندي، بايتا هيس فون كرودينير. وأضافت في تصريح لشبكة «سي بي سي» الكندية في 6 شباط الماضي، إن زوجها أبلغها قبل اغتياله بوقت قصير إنه يحقق في «ارتكاب جرائم حرب، وإرعاب منظّم للمدنيين من جانب إسرائيل». لكن التحقيق الكندي أكد أن الأمم المتحدة وإسرائيل لم تقدّما أي تعاون في التحقيق.
وبعد وقف الأعمال العدائية في تموز وآب 2006، كثرت الخروق الإسرائيلية للقرار 1701 براً وجواً وبحراً، وتكتفي الأمم المتحدة ـ الموجودة على الخط الأزرق بقوة عسكرية تزيد على 13 ألف عنصر مزوّدين بأحدث الوسائل ـ بإحصاء هذه الخروق حتى لو أدّت إلى مقتل مواطنين أو اختطافهم. ولم يكن الخرق الأخير في منطقة نبع الوزاني إلا مجرد إضافة. ولم تفعل القوات الإسبانية سوى تبرير العملية في تقرير صادر عن قيادة اليونيفيل. وأحياناً تفتح قيادة اليونيفيل تحقيقاً، لكنه غالباً ما يؤول إلى أدراج مظلمة.
في 18 كانون الثاني خطفت إسرائيل الشاب اللبناني محمد المحمد الراعي من بلدة حلتا الحدودية، وأخضعته للتحقيق لمدة 7 ساعات قبل الإفراج عنه، بعد تدخّل من اليونيفيل. إسرائيل تذرّعت بأن الراعي اخترق الخط الأزرق. لبنان قال عبر الخارجية إنه كان على بعد 210 أمتار من الحدود. لكن الأمانة العامة للأمم المتحدة اكتفت بتبنّي موقف إسرائيل، وقال وكيل الأمين العام للشؤون السياسية، لين باسكو، في إحاطته الشهرية أمام مجلس الأمن الدولي، وأيّده في موقفه الأمين العام بان كي مون، إن الحادث «يؤكد الحاجة إلى التعجيل بوضع علامات الخط الأزرق» التي أزالتها حرب تموز.
في المقابل، دانت الأمانة العامة للأمم المتحدة إطلاق صاروخَي كاتيوشا على شلومي في شمال فلسطين المحتلة لم يوقعا إصابات. وعدّت الحادث «خطيراً»، وإن لم يعرف حتى اليوم مصدر إطلاقهما.
مرة أخرى اغتالت إسرائيل في 3 شباط الماضي المواطن عبد الله المحمد قرب الغجر المحتلة وجرحت آخر، وزعمت أنهما «كانا يحاولان تهريب المخدرات»، وأنهما «أطلقا النار على دورية إسرائيلية»، مع أن الجيش اللبناني لم يجد سلاحاً مع المحمد. وفتحت قوات اليونيفيل تحقيقاً لم يصل حتى اليوم إلى نتائج.
توجهت «الأخبار» إلى قائد قوات حفظ السلام الدولية في العالم، وكيل الأمين العام، جان ماري غيهينو، وسألته عن أسباب عدم بلوغ التحقيقات بشأن خرق إسرائيل المستمر لقرار مجلس الأمن 1701، واستمرار التعديات الإسرائيلية على المواطنين اللبنانيين أي نتيجة. فكان الرد أن القوات الدولية لا تبني مواقفها على شائعات، و«لا أتفق على أن جميع التحقيقات لا تصل إلى نتيجة. في بعض التحقيقات من الصعب بمكان بلوغ صلب الحقيقة. اليونيفيل تستطيع أن تتحدث فقط عن وقائع مؤكدة. وتتوقف صدقية البعثة على عدم قول أمور بناءً على شائعات. وأحياناً نحصل على كل الوقائع، وفي أحيان أخرى لا نحصل عليها».
ردّ غيهينو يترك الأمور أكثر غموضاً من الماضي. فمن المسؤول في الأساس عن تعطيل وضع العلامات الممحاة عند الخط الأزرق؟ وهل يحتاج تحديد مكان الخطف أو القتل في جبهة صغيرة تعج بأكثر من 28 ألف جندي من قوات الطوارئ والجيش اللبناني إلى تحقيق بحجم جريمة 14 شباط 2005؟
قوات الطوارئ في الجنوب فقدت الكتيبة الإيرلندية التي مكثت في الجنوب لعشرات السنين. وغادرت الكتيبة القطرية وسط حديث عن أن الكثير من الدول، منها إيطاليا وإسبانيا، تعيد النظر في وجود قواتها في الجنوب بسبب استمرار تجاهل تطبيق إسرائيل للقرار 1701.
ووجدت قوات اليونيفيل نفسها في وضع حرج مضطرة فيه للتستر على تجاوزات العدو واعتداءاته. لكن غيهينو قلّل من أهمية الانسحابين القطري والإيرلندي بالقول لـ«الأخبار»، «هناك ورديات منتظمة التبدل لدول اليونيفيل. دول وافقت على تقديم قوات لفترة من الزمن ثم يغادر أفرادها. وأعتقد بأن لكل من إيرلندا وقطر أسبابها الخاصة وأولوية في تحديد الأماكن التي تضع قواتها فيها. إننا ننظر في كيفية ملء الفراغ. لكن بصراحة، لا زلنا نتمتع في بعثة اليونيفيل بقدر كبير من الموارد البشرية. وحبذا لو كانت لدينا الموارد نفسها في بعثتنا في دارفور».