إبراهيم الأمين
لن يحضر عمرو موسى قريباً الى بيروت. هذا أمر مؤكد لدى الجهات المعنية في الدوائر الدبلوماسية العربية. والسبب، ببساطة، أن هناك مشكلة كبيرة في إدارة حوار بين أطراف لا يثق بعضهم ببعض على الإطلاق. وبالتالي فإن عدم مجيئه الآن قد يترك له الامل بأن يعود إذا لاح في الأفق ما يتيح له تحقيق اختراقات جدية، وهو الأمر الذي يتطلب في رأي نافذين في الدوائر العربية، تنازلات كبيرة من القوى التي تريد فعلاً الهروب من المواجهات الاهلية القاسية.
وتلفت هذه الجهات الى أن موسى لم يكن ليحتاج الى استمزاج الآراء في ما يجري الآن في بيروت، رغم أنه سمع نصيحة واضحة من العماد ميشال عون فيها أنه ليس هناك من يستطيع مساعدته الآن. أما رئيس المجلس النيابي نبيه بري فقال له إنه مرحب به في أي وقت «ولكن ما الذي تحمله من جديد حتى تصل الى نتائج مخالفة لما انتهت به جولتك السابقة؟». فيما يصر فريق 14 آذار على قدوم موسى بغية الإعلان لاحقاً أن فريق المعارضة وسوريا يتحملان المسؤولية عن عدم نجاح المبادرة العربية. وهو أمر لا يمكن موسى تقبله حتى لو كان ميّالاً الى تفهمه، علماً بأن مداولات أخيرة أجراها موسى في أكثر من عاصمة دفعته الى الإعراب عن اعتقاده بأن هناك عواصم عربية أخرى غير سوريا وقوى لبنانية أخرى غير المعارضة تتحمّل المسؤولية أيضاً عن عدم التوصل الى اتفاق. ويقول دبلوماسي عربي إن موسى أعطى إشارة الى ذلك خلال عرضه تقريره الأخير أمام الاجتماع الوزاري العربي عندما تحدث عن وجود دور سعودي لا يقل أهمية عن دور سوريا في ممارسة النفوذ على القوى اللبنانية للتوصل الى اتفاق، كما في إشارته خلال آخر اجتماع له مع الرئيس بري الى أنه يشعر بوجود عناصر متشددة في قوى 14 آذار لا تريد تسوية سريعة.
من جانبه يرى بري أن الولايات المتحدة معنية بتأخير الحل. وهو يعتقد بصحة ما ورد في «الأخبار» أول من أمس عن وجود ميل أميركي نحو الاستعجال في بت أمر المحكمة الدولية وتأخير الملف الرئاسي (رغم أنه يعترض على أشياء كثيرة ترد في «الأخبار» ويرى في بعضها معلومات غير صحيحة أو غير دقيقة على ما يقول). ويقول رئيس المجلس إن الولايات المتحدة ربما تريد أن تترك أمر إفشال المهمة العربية الى آخرين غيرها، وإلا «فما هو السبب لعدم صدور أي موقف رسمي أميركي داعم للمبادرة العربية منذ الاجتماع الوزاري الأول؟». ويتابع: «ربما هم يريدون نقل المشكلة الى مكان آخر، وفتح باب الضغط على سوريا من خلال المحكمة الدولية، وهم يضغطون الآن على دول عربية خليجية لكي تدفع هي تكاليف إنشاء المحكمة، كما يضغطون على الأمم المتحدة لوضع برنامج نفقات مالية أقل مما قُدم، وسبق أن أبلغوا جهات عدة في لبنان وخارجه أنهم يريدون العودة الى ملف المحكمة من زاوية كونها وسيلة فضلى للضغط على سوريا. لذلك يرى بري أن واشنطن تتحمل مسؤولية كبيرة في منع قيام تفاهم أو توافق سعودي ـــــ سوري من شأنه الإفساح أمام تسوية لبنانية معقولة.
وفي هذا السياق تنفي مصادر دبلوماسية عربية اطلعت على محادثات موسى في دمشق ما سرّبته جهات مجهولة عن أنه ناقش مع الرئيس السوري بشار الأسد ملف المحكمة الدولية وأن الرئيس السوري طلب منه بت هذا الأمر قبل البحث في بقية الملف اللبناني. وتقول المصادر إن البحث لم يتطرق الى هذه المسألة لأن الطرفين يعرفان أن الجامعة العربية غير قادرة على لعب دور في موضوع بات من ضمن الحسابات الدولية، كما أن سوريا لا تثير الأمر على هذا النحو، علماً بأنها سبق أن تلقت قبل شهرين وعداً فرنسياً في إطار عملية إغراء بتجميد ملف المحكمة إذا أقنعت دمشق قوى المعارضة في لبنان بقبول تسوية لا تمنحها الثلث الضامن في الحكومة الجديدة.
وتلفت هذه المصادر الى أن زيارة موسى لدمشق كانت فاشلة بمعنى أنها لم تحقق اختراقاً في جدار الأزمة، وأن الموقف السوري الذي سمعه موسى من الأسد سبق أن سمعه من الوزير وليد المعلم الذي عاد وكرره في اجتماع القاهرة لناحية التأكيد أن الحل يجب أن يكون ضمن سلة كاملة، وأن المعارضة تنتظر تحقيق مجموعة مطالب محقة، وقبل حصول ذلك يصعب توقع تفاهم. بالاضافة الى الكلام الآخر عن عدم رغبة سوريا وعدم قدرتها وعدم وجود مصلحة لها في فرض نوع من الضغوط على المعارضة، وهو الأمر عينه الذي لمسه موسى من الجانب السعودي الذي لا يبدي أي حماسة للتدخل لدى فريق 14 آذار لإقناعه بالتنازل، علماً بأن الدبلوماسية السعودية تظهر موقفاً واضحاً في تحميل المعارضة مسؤولية العرقلة. وتقول ذلك من باب السؤال الكيدي: لماذا لا يتم انتخاب ميشال سليمان أولاً من ثم يبدأ البحث في الأمور الاخرى؟
وبنتيجة ما يحصل، فإن لبنان أمام وقائع واضحة: لا توافق محلياً على آلية للحل، تراجع كبير في حظوظ المرشح الرئاسي سليمان، تعاظُم أزمة الثقة بين القوى السياسية على اختلافها، تعطُّل المساعي التوافقية بين العواصم العربية، انشغال الولايات المتحدة ببرنامج ضغوط جديد على إيران وسوريا، وتراجع فرنسا عن القيام بحركة مختلفة عن المتداول.
وإذا رُبطت هذه المناخات السلبية بالواقع الميداني الطارئ بعد حوادث مار مخايل ـــــ الشياح وبروز مؤشرات الى وجود مسؤولية ما لقيادة الجيش عن جريمة يوم الأحد، وما يجري من تعبئة منظمة لدى جميع الأطراف، فإن ذلك كله يقود الى استنتاج واحد هو: اللهم احم لبنان من موجة جنون تطيح من بقي من عاقلين فيه!