strong>غسان سعود
• سيرة وزير الدفاع ابن وزير الدفاع الذي لا يثق بقدرة ابنه على وراثة زعامته

نجح ميشال المر، مرة أخرى، في تحييد ابنه وزير الدفاع إلياس المر عن دائرة التشهير أو الاتهام بالمسؤولية السياسيّة عن مجزرة مار مخايل. غير أن المحيطين بسيّد بتغرين يقولون إن أداء إلياس السياسي والوزاري والشعبي والعائلي يزعزع وضع والده يوماً بعد يوم، ويفقده صدقيته

أمور كثيرة تمنع النائب ميشال المر من لعب الدور الذي أتقنه منذ مطلع السبعينيات، سواء فيما يتعلق بصنع الرؤساء وتوزيع الحقائب الحكوميّة بالتراضي أو على صعيد التوفيق بين المسؤولين المختلفين واجتراح حلول ماهرة ترضي الجميع. فالمر المنهك من تآكل شعبيته لمصلحة حزب الكتائب والتيار الوطني الحر، يرى «السحر ينقلب عليه»، مع تحول العلاقات الشخصيّة والعائلية التي يحرص على إقامتها كوسيلة توسع إلى أداة حصار لهذا الرجل الذي حكم المتن الشمالي ربع قرن. وثمة، وسط المحيطين بالمر، من يفترض أن تكون مجزرة مار مخايل صفعة قوية لتبادل الأدوار بين المرّين، تدفع الأب إلى حسم خياره.

◄ انطلاقة أبو الياس

استند ميشال، ابن المقاول المتواضع إلياس المر، إلى أموال شركة المقاولة التي أسسها مع ألفرد المر زوج شقيقته الأديبة مي (ألفرد، هو ابن نقيب المحامين الراحل دعيبس المر، وعمه النائب الراحل غبريال المر)، ليخوض معركة إسقاط غبريال لمصلحة النائب فؤاد الخوري، تمهيداً لوصوله هو، بدل ألفرد (الوارث المتوقع لآل المر)، إلى الندوة البرلمانية عام 1968. فانقطعت علاقته عشر سنين مع شقيقته مي، لكنّها استمرت مع شقيقه غبريال (صاحب الـMtv)، شريك الثلث في معظم مشاريع ميشال، حتى عام 1979، حين دخل ابنه إلياس على خط المقاولات شريكاً في منتجع Halat sur mer السياحي (أول مشروع لميشال دون غبريال). فبدأ التوتر بين الرجلين، وتراكمت الأحقاد حتى تفجرت عام 2002.
ويتابع أحد أفراد العائلة روايته مؤكداً أن حجم المر الخجول على المستوى الوطني، وعدم وصوله إلى الندوة البرلمانية عام 1972بقي خارج المجلس حتى عام 1992، حين عيّن نائباً عن منطقة عاليه) لم يحولا دون تمكنه من إيصال إلياس سركيس عام 1976 إلى كرسي بعبدا، ثم بشير الجميّل بعد ست سنوات، قبل أن يُدفّعه أمين الجميل، عام 1984، ثمن ولائه لبشير نفياً غير مباشر، ليعود عام 1986 من الباب السوري، حاملاً بنود الاتفاق الثلاثي الذي كاد يودي لاحقاً بحياة نجله إلياس المتضامن مع إلياس حبيقة، بعد إطباق مؤيّدي سمير جعجع عليه في المجلس الحربي للقوات في الكرنتينا (عام 1986). وبعد إقرار اتفاق الطائف عام 1992، عيّن المر وزيراً للدفاع وأوكلت إليه مهمات «إعادة توحيد الجيش وبنائه عديداً وعتاداً، والانتشار في بيروت وجبل لبنان ودهم المخازن وإزالة الحواجز». ورغم تنقله من وزارة إلى أخرى، لم يصادف ميشال المر مشاكل كبيرة، وخصوصاً على صعيد العلاقة مع سائر الزعماء السياسيين.

◄ ظهور إلياس

حتى الألفين، كان إلياس، المولود وفي فمه ملعقة ذهب، بعيداً عن الأنظار، يتنقل بين سويسرا وبيروت، محاولاً عبثاً إنجاح أعماله في قطاعَي البورصة والمقاولات، رغم علاقاته المتينة بجميل السيّد والرئيس إميل لحود الذي زوّجه ابنته كارين عشية تولّيه الرئاسة الأولى. وقد فوجئ معظم السياسيين وأبو إلياس نفسه، وفق أحد أقربائه، بالقرار السوري بإبداله في وزارة الداخلية والبلديات بعد انتخابات الـ2000 النيابية بابنه إلياس، ذي الاهتمام الكبير بالشؤون الأمنية، والمتأثر، وفق وصف بعض معارفه، بعقليّة صديقه إيلي حبيقة الاستخباريّة.
وثمة من يقول إن المر لم يستطب القرار السوري ولا التشجيع اللحودي عليه، لا غيرة أو أنانيّة، بل لمعرفته بأن ابنه لم يبلغ بعد مرحلة تولّي مسؤوليات كهذه. وقد استغرب التبرير الذي يربط هذا التغيير «بصورة المر القمعيّة المضرّة بعهد لحود». علماً بأن أبو الياس كان يمهد الطريق بتأن لتوريث ابنه الزعامة والموقع. وغالبية من عيّنهم المر في مؤسسات الدولة كانوا محسوبين على الياس، أو جعلهم يمرون به عبره.
وبدوره، لم يخيّب إلياس توقعات والده، يتابع أحد أفراد العائلة، فزلّت رجله أكثر من مرة في محطات تركت هوّة بين المر الأب والناس. وأهم هذه الزلّات كان الاعتداء على العونيين يوم 7 آب 2001 التي تحمّل مسؤوليتها شعبيّاً أبو الياس، رغم وجود إلياس في وزارة الداخلية، وتدفيع الوالد، عام 2002، ثمن تحكيم الابن «ضميره» عند إعلان نتائج معركة المتن الفرعيّة (حمّل ميشال ابنه إلياس مسؤولية الخسارة. وفي اجتماع تقويمي للانتخابات، قال أمام حشد من رؤساء البلديات والمخاتير وأم الياس إن «وزير الضمير منعنا من النجاح»).
إضافة إلى ذلك، توترت العلاقة بين أبو الياس ورفيق الحريري نتيجة إصرار المر الابن على «التصدي لمشاريع الحريري بناءً على وصية عمّه لحود». وكان الحريري يصرّ على المر الأب أن يشجع ابنه على زيادة إنتاجيته، فردَّ عليه المر يوماً «تكلم مع لحود، أنا والده في المنزل لا في السياسة». فيما قام المر الابن لاحقاً بعقد مؤتمر صحافي يعدد فيه منجزات وزارة الداخلية والبلديات خلال توليه مسؤوليتها. واضطر زعيم المتن السابق إلى التوسط مع بضعة سياسيين، أبرزهم سليمان فرنجيّة، لغض النظر عن تعليقات ابنه ومواقفه «غير المدروسة».
ومن ترقيع الهفوات الوظيفية، انتقل سيّد بتغرين ليحاول اختلاق تبريرات سياسية لانشقاق الابن، دون مراجعة أحد (أو بتنسيق متكامل مع والده)، عن الذين وزّروه، عبر الالتحاق العملي الكامل بقوى 14 آذار تحت شعار الحياد الإيجابي، مراكماً الهفوات، بحسب وصف أحد أصدقاء الأب، من تطليقه كارين إميل لحود بعد محاولة اغتياله في 12 حزيران 2005 وشهاداته الإعلامية ضد الضباط السوريين، إلى إعلانه المتسرّع جداً في 21 حزيران الماضي عن انتصار الجيش على تنظيم «فتح الإسلام»، وعقده يوم 4 أيلول مؤتمراً صحافياً لتقويم انتهاء الأعمال العسكرية في البارد دون مشاركة قائد الجيش، المعني الأول بتلك المعارك. ويقول المتابعون إن المر انتفض غضباً أثناء مقابلة تلفزيونية لابنه مع الزميل مارسيل غانم، وإعلانه انتهاء المعارك لتيقّنه من أن لديه معلومات أكثر منه في ما يتعلق بالواقع الميداني في نهر البارد. ولم يفهم، لاحقاً، المغزى من شكر السعودية والإمارات ومصر والأردن والولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية لدورها في حسم معركة البارد، واستثناء سوريا.

◄ ماذا بعد؟

هكذا، يقول أحد أبناء العائلة، كان المر يجد رصيده يستنزف أمام عينيه دون مبرر، ودون أن يلقى تجاوباً من نجله في إصلاح ما أفسده هو نفسه، أو على الأقل شكراً على «الواجب الأبوي». والمر الذي استنفر كل علاقاته الأسبوع الماضي، ليبعد، مرة أخرى، وحيده عن دائرتَي التشهير والاتهام بصفته المسؤول السياسي المباشر عن الجيش الذي قام بإطلاق النار على المحتجين بسبب انقطاع الكهرباء، يرتبك اليوم مما ستكون الأمور عليه مستقبلاً، وخصوصاً أن قطع طريق قصر بعبدا على العماد سليمان يهدد استمراريّة عائلة المر السياسية، حيث تجد قوى 14 آذار، المسيحية منها خصوصاً، نفسها أقرب إلى غابريال المر، فيما يضع العماد ميشال عون فيتو صارماً على إلياس لأسباب كثيرة (هنا يكمن أساس التباعد النسبي بين عون وميشال المر).
وجاءت مجزرة مار مخايل لتفتح جرح توتر جديد بين المر الابن وزعيمَي حركة أمل وحزب الله اللذين ابتلعا الموسى وسكتا على دوره احتراماً منهما لعلاقة الربع قرن المتينة بميشال المر. وإذ بإلياس يمضي في «منجزاته» ولا يكلف نفسه عناء تعزية بري ونصر الله، في ظل همسات تصدر عن أهل أمل وحزب الله تؤكد تسليم إلياس أمره للأميركيين، وتفرّغه هذه الأيام، بعدما شرّع لهم في السابق أبواب وزارة الداخلية، للتناغم معهم في وزارة الدفاع.

للصبر حدود


في مجزرة الأحد، وفي محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة، كان المر في موقع المسؤولية (دفاع وداخلية). وغضّ النظر عن دوره بضغط من والده، الذي ينقل أحد أصدقائه عنه القلق من سحب بساط التمثيل الشعبي من تحته قبل أن يكون إلياس مستعداً لوراثة الزعامة. ويؤكد الصديق أن أبو إلياس يعرف أن مشكلة ابنه تكمن خصوصاً في إقامته جداراً سميكاً يعزله عن معظمه أبناء منطقته، خلافاً لأبو الياس. علماً بأن المحيطين بإلياس يؤكدون عدم إمراره أي خطأ دون محاسبة، وهو القائل بعد انتهاء معركة البارد إن خيارات الجيش كانت معدومة «بعدما تصوروا صبره ضعفاً وظنوا حكمته تردّداً وحسبوا إنذاره كلاماً».

«ضاع الشنكاش»


في بتغرين، يستصعب الناس تحديد الأدوار في بيت المر. فميشال يختلف سياسياً مع ابنه وحفيدته نائلة تويني التي ربّتها جدتها سيلفي أبو جودة (زوجة المر)، وكان أبو الياس يصطحبها إلى معظم لقاءاته السياسية (حتى اجتماع الأمن المركزي).
فيما هناك تمايز سياسي بين نائلة وشقيقتها ميشال من جهة ووالدتها ميرنا المر من جهة أخرى. إذ مثّلت ميرنا المعارضة (بالنيابة عن والدها) في مؤتمر سان كلو، ومثّلت نائلة الموالاة (بالنيابة عن جدها غسان تويني) في المؤتمر نفسه.
وبينما يستقبل إلياس المسؤول القواتي إدي أبي اللمع في عز الحملة القواتيّة على والده، وتعلن نائلة خلال انتخابات المتن الفرعية، في عز التوتر بين جدّها ميشال والرئيس أمين الجميل، دعمها للأخير، يعودون جميعهم ويتناولون إلى مائدة المر الغداء الذي تعدّه سيلفي، «قديسة بتغرين».