أنطوان سعد
لم تكن من حاجة في لبنان «لنبيّ في القراءة» لمعرفة أن الفرقاء السياسيين، وليس فقط رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، سوف يضعون العراقيل أمام الحل للأزمة القائمة ما دام كلّ منهم يريد أن يحقق على الآخر نصراً مبيناً وفوزاً ساحقاً وإعلاناً صريحاً منه بالهزيمة.
كل تصرفات ومواقف القيادات السياسية، منذ التمديد لولاية الرئيس السابق العماد إميل لحود والبحث عن البديل قبل إسقاطه أو التمني عليه بالتنحي، تدل على عدم وجود جهة قادرة على استنباط الحل الذي يسفر عن رابحين في الجهتين.
من هذه الزاوية، يمكن فهم إصرار الأكثرية في مرحلة سابقة للفراغ الرئاسي على انتخاب رئيس للجمهورية من معسكر قوى الرابع عشر من آذار ولو تم الانتخاب بالنصف الزائد واحداً، ومن ثم معاندة الأقلية للتوافق على انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، بانتظارها تعهداً معلناً منه بإعطائها ثلثاً معطلاً صريحاً لا لبس فيه، علماً بأن المطّلعين على بواطن الأمور يؤكدون أن المعارضة قررت، منذ إعلان الأكثرية موافقتها على ترشيح قائد الجيش، سحب تأييدها لوصول العماد سليمان إلى سدة الرئاسة لشكوك لديها، عززتها الخطوات الناقصة التي قام بها في ذلك الحين، في أن انتخابه لن يشكل لها الانتصار المنشود.
قامت مذّاك أزمة «السلة المتكاملة» حول أحقية امتلاك الثلث المعطّل الذي يؤكد من بقي من النواب المشاركين في إعداد وثيقة الوفاق الوطني في مدينة الطائف أنه من حق رئيس الجمهورية تعويضاً له عن الصلاحيات المنتزعة منه ولتكريس مبدأ المشاركة بين المسيحيين والمسلمين وليس بين الموالاة أو المعارضة. وجرى تصوير قضية هذا الثلث على أنه مسألة حياة أو موت لا مجال للتراجع عنها على رغم مواقف رئيس مجلس النواب نبيه بري المتكررة وغيره من رجال السياسة والإعلام بأن المشكلة ليست محلية، بل بين السعودية وسوريا. علماً بأنه ليس من أمر سيئ يمكن أن يحل بلبنان أكثر سوءاً من الوضع الحالي سواء حصلت المعارضة على الثلث المعطل أو لم تحصل.
جرى الكثير من المحاولات للالتفاف على أزمة الثلث المعطل وحلّها. ولعل أبرزها اقتراح الرئيس سليم الحص بتأليف حكومة من ستة عشر وزيراً، يعطي الأكثرية ستة وزراء، وخمسة لكل من رئيس الجمهورية والمعارضة. غير أن الفريقين تساويا في عدم التجاوب وحلحلة المشكلة، إما لانتظار بعض السياسيين الضوء الأخضر من خارج لبنان، أو أملاً في أن يدفع الفراغ الرئاسي والضغط، الذي كان يفترض أن ينجم عنه، تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي إلى رفع تحفظاتهما على العماد ميشال عون. وبما أن الأمرين لا يزالان متعذرين، حاول بعض نواب الأكثرية إضافة إلى شخصيات محايدة إقناع أقطاب الموالاة بإعطاء المعارضة الثلث المعطّل بغية حلحلة الوضع وانتخاب رئيس للجمهورية، وعندما تتبدل الظروف في شكل ملائم للأكثرية يمكن تبديل الحكومة. كما جرت الإشارة إلى إمكان استمالة بعض الوزراء المعارضين العتيدين ممن تداولت بهم الأوساط السياسية. غير أن جواب أحد الأقطاب الموالين الأربعة كان: «المسألة تقويم كلام».
في المقابل، بادر أحد المقربين من العماد ميشال سليمان إلى مفاتحة قوى المعارضة باقتراح يقضي بأن تسمي شخصاً تثق به يقوم قائد الجيش بعد انتخابه رئيساً للجمهورية بتعيينه وزيراً من الحصة التي تعود إليه. فيكون إذاك للمعارضة ثلثها المعطل الذي يضمن لها عدم اتخاذ قرارات تراها مضرة بمصلحة البلد من وجهة نظرها. غير أن أحد الأقطاب المعارضين الأربعة أجاب بما يمكن اعتباره بكل بساطة إنهاء للمبادرة: «شو نحن عم نسرق».
وبين «تقويم الكلام» وعدم الرغبة في السرقة ترزح البلاد تحت أزمة غير مسبوقة أقل ما يمكن قوله عنها إن لبنان على كفّ عفريت أو على فوهة بركان.
نشرت «الأخبار» في الأول من شباط الجاري استطلاعاً للرأي أجراه مركز بيروت للأبحاث والمعلومات، أظهر أن أكثر من ثلثي اللبنانيين، من كل الطوائف ومن أنصار قوى الموالاة والمعارضة على حد سواء، يريدون إنهاء الأزمة السياسية الحالية، ولو على حساب التنازل عن المطالب المعلنة للقوى التي يؤيدونها. فهل لهذين الثلثين رأي يستحق أن يؤخذ بالاعتبار، ولو من باب الحياء أو رفع العتب؟