strong>حسن عليق
ازدانت بعض شوارع العاصمة بآلات تسمح للمواطنين بدفع بدل مالي مقابل ركن سياراتهم على جانب الطرق. وتتولى شركة خاصة مراقبة العمل وتسطير غرامات مالية بحق المخالفين، الذين لا يحرمون من حقهم بالاعتراض أمام قضاء مخالفات السير، كما هي الحال عند تنظيم رجال الأمن الداخلي محضر مخالفة بحق أحد السائقين. فلمن السلطة في شارع بلس؟

«المدير ما بيحكي مع العالم، أنا بعرضلو الشكاوى». قالت بلطف شابة أجابت على رقم الهاتف الموضوع على الماكينات المزروعة في رصيف شارع بلس، والمخصصة لدفع المال بدلاً لإيقاف السيارات على جانب الشارع المذكور. جواب الموظفة كان ردّاً على شخص أراد أن يعترض على غرامة حررها في حقه أحد مراقبي آلات دفع بدل الوقوف، وهي الغرامة التي تطلق عليها الشركة المتعهدة (Park meters) «بدل وقوف إضافي». أضافت الشابة أن عدداً كبيراً من الأشخاص يراجعون الشركة عبر رقم الهاتف الموضوع على الماكينات وعلى أوراق الغرامات، لكن لا أحد يستطيع أن يلغيها ما دام المراقبون ينفذون عملهم.
شارع بلس يخضع لبدل وقوف السيارات من الثامنة صباحاً حتى الخامسة بعد الظهر. وإذا أراد أحد المواطنين إيقاف سيارته على جانب الطريق، فما عليه سوى دفع 500 ليرة مقابل كل نصف ساعة. توضع النقود المعدنية في الماكينة المخصصة، فتُخرِج الماكينة إيصالاً يظهر على أحد وجهيه الوقت الذي تنتهي عنده صلاحية الإيصال، الذي يجب على السائق أن يضعه داخل سيارته، «خلف الزجاج الأمامي، بحيث تظهر صلاحيته بوضوح من الخارج».

غرامات أم بدل؟

ولإرشاد السائقين إلى كيفية عمل الآلات، وللسهر على حسن الالتزام بتطبيق النظام الجديد، ينتشر على رصيف الشارع مراقبون يعملون في شركة «بارك ميترز»، يعتمرون قبعات تشبه تلك العائدة للأمنيين الرسميين. تحدّثت «الأخبار» مع ثلاثة منهم، فقالوا إنهم «موظفون حكوميون في هيئة إدارة السير التابعة لوزارة الداخلية». شرح أحدهم تفاصيل عمله اليومي: أجول على السيارات المتوقفة على الجهة اليسرى للشارع. وإذا وجدت أن إحداها خالية من إيصال يُظهر أن السائق دفع بدلاً للوقوف، أنظّم له «بدل وقوف إضافي قيمته 10 آلاف ليرة»، ثم ألتقط بهاتفي الخلوي صورة لسيارته لإثبات أنني لم أظلمه. كذلك أنظم مخالفة بحقه إذا لم تكن السيارة متوقفة بشكل صحيح بين الخطوط البيضاء، أو كان وقت صلاحية الوقوف منتهياً. ورداً على سؤال قال المراقب إن عمله لا يشمل السيارات المتوقفة في «خط ثان» وسط الطريق، فتلك مسؤولية الدرك. وذكر أن في إمكان السائق دفع الغرامة مباشرة في الآلة المخصصة للدفع، أو عبر شركة ليبان بوست، أو في النافعة. وإذا لم يدفع السائق الغرامة خلال 15 يوماً يصبح البدل 30 ألف ليرة، وعند عدم التسديد، تُضاف المبالغ إلى رسوم الميكانيك. وتذكر الإرشادات المكتوبة بخط صغير جداً على آلة الدفع أن أحد إطارات السيارة يُكبّل بلاقط حديدي عند تكرار المخالفة ثلاث مرات خلال 15 يوماً من دون تسديد بدل، ويجب على صاحبها دفع «بدل تكبيل» يبلغ 40 ألف ليرة. وفي حال التخلف عن الدفع، تُحجَز السيارة في مرأب، ولا يُحرّرها إلا مبلغ 75 ألف ليرة بدل «رفع ونقل»، إضافة إلى 5 آلاف ليرة عن كل يوم في المرأب.

مخاوف أمنية؟

أكّد المراقبون الثلاثة أن المواطنين يتجاوبون معهم، ولفت أحدهم إلى أن المشكلة الوحيدة التي يواجهونها هي اعتراض عمال خدمة التوقيف أمام المحال التجارية والمطاعم (Valet). أحد هؤلاء العمال بدأ حديثه مع «الأخبار» بالقول: قطعولنا رزقتنا. كنا نتقاضى من صاحب السيارة 3 آلاف ليرة حدّاً أدنى بدل إيقافها، لكن الزبون بات يدفع بنفسه قبل الدخول إلى المطعم. وهذا الأمر يؤثر سلباً على عمل المطاعم في الشارع، فإذا كان صف الوقوف الخاضع للبدل مكتملاً، فلن يتمكن السائق من توقيف سيارته صفاً ثانياً، لأن رجال الدرك سيمنعونه. العامل المذكور أبدى «مخاوفه الأمنية» من نظام التوقيف لقاء بدل: «في السابق، كنا نعرف المكان الذي يتوجه إليه كل أصحاب السيارات المتوقفة إلى جانب الشارع. لكن، إذا حضر شخص وأوقف سيارته في الشارع ودفع 500 ليرة وغادر إلى مكان لا نعرفه، فما الذي يمنع أن تكون السيارة مفخخة؟».
بدورهم، رحّب المواطنون الذين التقتهم «الأخبار» في بْلِس بالطريقة المتبعة منذ شهرين لوقوف السيارات على جانب الشارع، ورأوا أنها «حضارية ومنظمة، وتعطي صورة حلوة عن بيروت». وطالب جميع من تحدّثوا لـ«الأخبار» بتعميم هذه الطريقة على كل شوارع العاصمة، وخاصة الرئيسية منها.

في القانون

بعيداً عن المخاوف الأمنية ولُطف المراقبين الحريصين على إرشاد المواطنين ومساعدتهم، برزت إلى الواجهة معضلة قانونية تتعلّق بالغرامات المتعددة التي يجب على المخالفين دفعها، رغم أن الشركة المتعهدة تطلق عليها دوماً اسم «بدل»، لا غرامة. فالقانون اللبناني يسمح لعدد كبير من الموظفين الحكوميين بتحرير غرامات مالية بحق المواطنين. وإضافة إلى رجال الأمن، يمكن مراقبي حماية المستهلك والجمارك وإدارة حصر التبغ والتنباك، وفي المرافئ والمطار ووزارة السياحة، إضافة إلى الحراس الليليين والمراقبين العاملين لمصلحة وزارة الصحة، يمكنهم تنظيم محاضر بالمخالفات التي يكشفون عليها، وإيداعها لدى القاضي المنفرد الجزائي. أولئك الموظفون، بناءً على طلب الوزارات والإدارات التي يعملون فيها، يؤدون أمام القاضي يميناً قانونية «بعدم اسخدام السلطة التي أعطيت لهم إلا في سبيل توطيد النظام وتنفيذ القانون». وأمام القاضي المنفرد، يمكن أي مواطن أن يعترض على الغرامة التي حرّرها بحقه مراقب من المذكورين، أو فرد من قوى الأمن الداخلي بلباسه الرسمي. ينظر القاضي الاعتراض ويحكم فيه، فإما أن يلغيه إذا كان الشاكي محقاً، أو يثبته إذا كان المراقب أو رجل الأمن على حق، وتشمل هذه الصيغة غرامات السير.
هذه العملية القانونية لا تشمل عمل مراقبي المخالفات في شارع بلس، الذين ستمتد سلطتهم إلى شوارع أخرى في العاصمة خلال الأسابيع المقبلة. فردّاً على سؤال «الأخبار» لهم، نفى مراقبو شركة Park meters أن يكونوا قد أقسموا يميناً أمام القضاء، ويبدو أن «حكمهم» مبرم لا رجعة عنه، لانسداد أبواب المراجعة. فالمغرَّم الذي اتصل بالشركة للشكوى كان قد قصد قبل ذلك محكمة الجزاء في بيروت للاعتراض أمام القاضي رئيس محكمة مخالفات السير، فكان الرد من الموظفين أن المحكمة غير صالحة للنظر في هذه الغرامات، لغياب النص الذي يوجب عليها الاعتراف بهذه المحاضر. وذكر مصدر قضائي لـ«الأخبار» أن «الغرامات التي تحررها شركة خاصة في شوارع بيروت هي خارج الإطار القانوني الذي يسمح للمواطنين بنقض أي قرار أمام القضاء، الذي من المفترض أن يكون وحده الحكَم».