149; «حرّكنا أموراً كثيرة وهناك مجالات اتفاق تحتاج إلى اجتماع آخر»
قرر الأمين العام لجامعة الدول العربية مغادرة بيروت اليوم بعدما تعثرت ليل أمس مساعيه لحل الأزمة اللبنانية بعدما أشيعت عصراً مناخات من التفاؤل الحذر بإمكان التوصل إلى اتفاق بين الأطراف في وقت قريب

نجح الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في عقد اللقاء الرباعي بين ممثلين عن الموالاة والمعارضة لمناقشة صيغة جديدة للحكومة المقبلة بعد انتخاب رئيس للجمهورية مغايرة للتركيبة التي طرحها خلال زيارته السابقة إلى لبنان. وبالرغم من عدم إعلان موسى تفاؤله أو تشاؤمه بنتائج الاجتماع، أوحى أن النقاش يتقدم مشيراً إلى أنه «حرّك أموراً كثيرة لكن هناك حاجة لعقد اجتماع آخر». وأكد أن زيارته لسوريا ضرورية قبل انعقاد القمة العربية المقرّرة في دمشق الشهر المقبل. فيما برز على هذا الصعيد موقف سعودي ـــــ ألماني مشترك دعا سوريا إلى المساعدة على تسهيل عمليّة انتخاب رئيس للجمهوريّة اللبنانيّة.
كذلك دعا وزيرا خارجية البلدين سعود الفيصل وفرانك شتانماير بعد مناقشتهما للملف اللبناني في برلين «الأطراف كافة في لبنان والمنطقة إلى العمل سريعاً للسماح بانتخاب رئيس وتأليف حكومة على أساس المبادرة العربيّة» وأكّدا «أن على سوريا المشاركة في هذا الأمر».

نقاش تفصيلي في جوّ ودّي

وكان قد عقد قبل ظهر أمس في المجلس النيابي الاجتماع الرباعي الذي ضمّ عن المعارضة رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النائب العماد ميشال عون، وعن الأكثرية الرئيس الأعلى لحزب الكتائب أمين الجميل ورئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري، برعاية موسى. وسبقه اجتماع بين الأخير والعماد عون، بدأ موسعاً بحيث حضره النائب نبيل نقولا والمسؤول عن العلاقات السياسية في «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ومساعد الأمين العام هشام يوسف وطلال الأمين وعبد الرحمن الصلح. ثم تحوّل الاجتماع إلى خلوة بين عون وموسى استغرقت نصف ساعة، قبل أن ينضمّ إليهما سائر الأقطاب حول طاولة مكتب الرئيس نبيه بري التي ضمّت أربعة كراس، مع ملفات وأوراق.
وبعد خلوة بينهم، عاد المساعدون فانضمّوا إلى المجتمعين، ومن ضمنهم هاني حمود مع النائب الحريري وسليم الصايغ مع الرئيس الجميّل.
وانتهى الاجتماع الذي تخلّله غداء الساعة الثالثة بعد الظهر، أكّد بعده موسى أن النقاش جرى «في جوّ ودّي جدّاً في إطار المبادرة العربية» مشيراً إلى أنه تم تحريك أمور كثيرة. وقال: «في هذه الجولة القصيرة جرت محادثات في منتهى الأهمية، تناولت عدداً كبيراً من التفاصيل» موضحاً أنه كان «هناك مجالات اتفاق ومجالات لا تزال تحتاج إلى مزيد من النقاش الودّي ورغبة مشتركة في التوصل إلى حلّ، ولذلك اتفقنا على أننا نحتاج إلى اجتماع آخر، سنتفق عليه في بعض المشاورات اللاحقة».
وعن مصير جلسة الاثنين، أحال موسى السائل على الرئيس بري مكرّراً الحاجة إلى اجتماع آخر «لأن الأمور المطروحة كلها دقيقة وستعرض النقاط الحساسة» مؤكداً أن المعارضة الممثلة بالعماد عون كانت صريحة وواضحة.
وأكّد أن النقاش تناول موضوع توزيع النسَب بين الموالاة والمعارضة في الحكومة الجديدة، رافضاً إعطاء تفاصيل عمّا تمّ الاتفاق عليه في هذا الصدد. ووصف ما أشيع عن أنه حمل صيغة جديدة تعطي العماد ميشال سليمان 11وزيراً والموالاة 10 والمعارضة 9 بأنه «كلام مختلق ومزوَّر».
وأشار إلى أن «التوافق الأساسي الذي تمّ هو على أن العماد سليمان هو المرشح التوافقي لرئاسة الجمهورية».
وعن تأكيد مساعد وزيرة الخارجية الاميركية ديفيد ولش إثر لقاء معه في القاهرة، أنه إذا لم تحلّ الأزمة قريباً فهناك خيارات كثيرة، أي اللجوء إلى مجلس الأمن، قال موسى: «سلوا ولش، فهذا كلامه هو. أنا لم أتحدث في هذا الأمر ولم يرد موضوع التدويل في مناقشاتي معه».
ورأى أن من الضروري أن يزور سوريا قبل القمة العربية آملًا «ألّا تبقى الأمور تتراوح مكانها حتى القمة، لأن تأثيرها كبير على القمة» التي وصفها بأنها «مهمة ويجب الإعداد لها جيّداً، ومن ضمن هذا الإعداد نحرك المسألة اللبنانية».
وردّاً على سؤال عن خطاب النائب الحريري الأخير، ساوى موسى بين خطابي الموالاة والمعارضة وقال: «الخطاب لدى كل اللبنانيين حادّ، وأنا لا أتحدث فقط عن خطاب النائب سعد الحريري بل عن الجميع، فاللهجة أصبحت حادّة وعالية النّبرة» متمنياً عودة الجميع إلى النبرة الهادئة.
ورفض الردّ على سؤال عما إذا كان خطاب الحريري يعبّر عن استياء سعودي من الانفتاح الإيراني على مصر.
وتوجّه موسى إلى عين التينة حيث تشاور مع بري في نتائج الاجتماع الرباعي. وقرر موسى بعد اللقاء إرجاء سفره لاستكمال مساعيه، وانتقل إلى السرايا الكبيرة حيث التقى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي استقبل بعد ذلك وفداً من قوى 14 آذار.
وكان بري قد التقى النائب غسان تويني الذي أشار إلى أن الأول «أكثر تفاؤلًا». واستقبل بري السفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجة وعرض معه التطورات.
وفي هذا الإطار، أوضح عضو «كتلة التحرير والتنمية» النائب ناصر نصر الله، أن المعارضة أكدت خلال اجتماع ساحة النجمة تأييدها للمبادرة العربية بشكل متكامل.
وعرض الرئيس الجميل مع القائم بالأعمال الفرنسي أندريه باران موضوع المبادرة العربية والاجتماع الرباعي، وأبدى باران «كل الاستعداد لدعم هذا الحوار وتشجيع اللبنانيين على التلاقي، وتسهيل مهمة موسى لأنها تساعد على تطبيع الوضع في البلد»، وتم التأكيد «على دعم المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان وضرورة انتخابه في أسرع وقت، والتفاهم على حكومة الوحدة الوطنية ضمن الإطار الذي وضعته المبادرة العربية لتأليف الحكومة». وأبدى باران استعداد فرنسا لمساعدة لبنان على مواجهة الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية.
إلا أن اللواء عصام أبو جمرا رأى فريق السلطة «يمرّر الوقت ويتحايل عليه لغاية في نفس يعقوب» متهماً النائب الحريري بتسليح عناصره والتحضير للحرب.

استقالة البطريرك غير واردة

في غضون ذلك، جدّد البطريرك الماروني نصر الله صفير رفضه لخيار النصف زائداً واحداً لأنه يستتبع ردود فعل مثل انتخاب رئيس آخر، معتبراً «أن الحكومة الحالية موجودة وتقوم بما يمكنها الاطلاع به». ورأى أنه «إذا بقي البلد سائباً على هذا النحو فمن واجب الأمم المتحدة أن تضع ضوابط، وقد يعيّنون حاكماً باسمهم».
وأشار صفير في حديث صحافي إلى أنه لم يغيّر قوله «بأن النائب عون زعيم لا بل عون هو الذي تغيّر»، مضيفاً أن «حزب الله» مشكلة والدولة لا تحتمل وجود جيشين فيها. ورأى أن هناك «أدوات معروفة تفتح الباب لسوريا التي لديها أساليب كثيرة للردّ والانتقام»، ملاحظاً أن عودة سوريا إلى لبنان محتملة إذا كان لديها مَن «يسهّل هذه العودة».
وقال: «أبناء هذا البلد، على الأقل من هم أدوات للخارج، وهم معروفون، يريدون تفتيت البلد، فلا رئاسة جمهورية ولا مجلس نيابي ولا حكومة، ولا يريدون قيادة جيش ولا جيشاً ولا مجلساً دستورياً».
ورأى أن المشكلة ليست محصورة بين المسيحيين لأن هناك مَن «يعمل وفق إرادة إيران أو سوريا، وثمّة مَن هم مشدودون إلى الغرب، وخصوصاً فرنسا وأميركا».
وعن احتمال استقباله رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية إذا طلب موعداً منه أجاب: «عندما يطلب موعداً تعرفون الجواب في حينه». وأكد أن «استقالته غير واردة إطلاقاً» لافتاً إلى أن «التهديدات لبكركي موجودة دائماً».
من جهته، رأى فرنجية أن صفير «كان دائماً مع القاتل ضد القتيل، منذ مجزرة إهدن عام 1978، وذلك لارتباطه بالأميركيين والفرنسيين»، ورثى الحال التي آل إليها الموارنة في ظلّ قيادة صفير، متسائلاً «هل أصبح الموارنة مجرد 500 شخص يحملون علَم «القوات اللبنانية»؟». وحذّر من «مؤامرة يحوكها من هم داخل بكركي لتوريط البطريرك في السياسة التي أوصلت البطريركية المارونية إلى ما هي عليه اليوم» داعياً البطريرك «إلى إجراء إحصاء في داخل الساحة المسيحية لمعرفة مدى موافقة الشارع المسيحي على سياسات البطريركية الراهنة». واتّهم صفير «بمباركة التعدّي على صلاحيات رئاسة الجمهورية في السنوات الثلاث الأخيرة».
وتحدّث فرنجية في مقابلة مع قناة «الجديد» عن قضية اغتيال اللواء فرنسوا الحاج، كاشفاً عن أن العماد سليمان قال له حين زاره برفقة وفد من المعارضة بُعيد اغتيال الحاج «لا أحد كان يعلم بترشيح سليمان للحاج إلى تولّي منصب قائد الجيش سوى وزير الدفاع الياس المر والأميركيين»، لافتاً إلى أن قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع «رفض تولّي الحاج هذا المنصب، وهو ما يعني علم جعجع بترشح الحاج للمنصب المذكور».
وخلص فرنجية إلى الاستنتاج ردّاً على اتهام المعارضة باغتيال الحاج، أن «من قتله إما يعلم بترشحه لقيادة الجيش، وإما ارتكب الجريمة لسبب ما يرتبط بأحداث الشياح الأخيرة».

جنبلاط يتهكّم وحيدر يردّ

على صعيد آخر، علّق رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بأسلوب ساخر وتهكّمي على المقابلة المتلفزة التي جمعت الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله والعماد عون، فقال إن اللبنانيين «ظنّوا لوهلة أنهم أمام مسرحية روميو وجولييت، يمثّل فيها قيس نصر الله وليلى عون».
وتمنّى «لو توسعت مشاهد الحب المؤثّرة نحو إعادة الاعتبار للمؤسسات المقفلة والفارغة، وحبّذا لو تمّ توظيف هذه الإطلالة الغرامية لمصلحة اللبنانيين جميعاً عوض التغني بإنجازات ثنائية وهمية» آملًا من «بطلَي هذه المسرحية الغرامية، الهداية نحو إعطاء البعض من هذا الحب الأعمى لدولة هشّمتما أسسها، ودككتما مرتكزاتها، وضربتما أمنها واستقرارها، وأقفلتما مؤسساتها، وأحرقتما طرقاتها، واحتللتما ساحاتها». وختم بالقول «فعلًا، من الحب ما قتل».
وردّ عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد حيدر على جنبلاط فقال: «نظرنا بعين الشفقة إلى التصريحات التي أدلى بها النائب وليد جنبلاط وحال الألم التي عبّر عنها لأن زعيمين لبنانيين كبيرين كرّسا حالة التفاهم بين شريحتين كبيرتين من أبناء الشعب اللبناني، وحالة التلاقي الوطني والسلام الداخلي الصادق التي أدركها كل لبناني شريف تابع اللقاء التلفزيوني غير المسبوق بين العماد عون والسيد نصر الله» لافتاً إلى أنه «ساء البعض أن تسود لغة المحبة والمودّة بين المجموعات والفئات اللبنانية المتنوعة لأن هذا البعض اعتاد لغة التحريض والشحن والبغضاء وتأليب الفئات والمناطق اللبنانية بعضها على بعض».
وأكّد «أن اللبنانيين يعرفون جيداً الجهة التي يسيئها التلاقي وتعترض على كل تفاهم بينهم وتعطل المبادرات وتفتعل التصعيد امتثالًا لتعليمات الإدارة الأميركية، ويستطيعون أن يميّزوا تماماً بين وجه الطمأنينة والاستقرار الذي عبّرت عنه الندوة التلفزيونية بوضوح، ووجه المواجهة والفتنة التي يعبّر عنها رافضو الشراكة ومعطّلو الحلول والمبادرات».

الفاتيكان يدعو اللبنانيين إلى التوافق


أكد وزير خارجية الفاتيكان دومينيك مامبرتي أن قضية لبنان هي من القضايا التي تشغل بال الفاتيكان. وكشف إثر لقائه الوفد البرلماني اللبناني برئاسة النائب عبد اللطيف الزين أن الفاتيكان أجرى اتصالات دولية كثيفة من أجل حل الأزمة اللبنانية «الذي لن يتم إلا عبر تكاتف المجموعات كافة، وأخذ كل العناصر الإقليمية في الحسبان في الحوار والحل».
وشدّد على «دعوة البابا اللبنانيين إلى التوافق والوحدة الوطنية ونبذ العنف وحل الاختلافات عبر الحوار»، وقال: «لا مصلحة على الإطلاق للأطراف اللبنانية في العنف والانفجار، والسفير البابوي في لبنان هو نقطة التواصل معكم وسنقوم بكل ما بوسعنا من أجل لبنان ومصلحة شعبه».