أنطون الخوري حرب
تمثّل المواقف التصعيدية لأقطاب السلطة مؤشّراً جدياً إلى النتائج المرجوّة من الدعوة إلى إحياء ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط المقبل. لكن قراءة خلفية المواقف الحريرية ـــــ الجنبلاطية الأخيرة من طرف أقطاب في المعارضة، لا تشير إلى أي نية لدى السلطة لجعل هذه الذكرى مناسبة للمواجهة مع جمهور المعارضة، لغياب من يمتلك القدرة في فريق السلطة على القيام بمواجهات عنفية، بالإضافة إلى أن الكلام الجنبلاطي يعبّر عن «مراهقة سياسية» في استعمال المصطلحات اللغوية والتي يعود صاحبها كل مرة إلى التخفيف منها أو التنكّر لها بعد كل «زلّة لسان»، وفق تعبير جنبلاط نفسه.
كذلك هذا الكلام «الحاقد والمتهوّر» يمثّل تحدياً أوليّاً للجيش اللبناني الذي يرسم أمامه جنبلاط الجوّ المتوتر الذي يواكب ذكرى 14 شباط، فيما تعلن قوى المعارضة احترامها للذكرى وللتجمع الجماهيري لإحيائها. لكن ما لم يُعلن من النوايا والأهداف هو أن من النتائج المرتجاة من الحشد الانتقال باللعبة السياسية من الإطار الداخلي إلى التدويل، وانتقال المواجهة بين فريقي السلطة والمعارضة إلى المواجهة بين المعارضة والسلطة والمجتمع الدولي.
وتفيد المعلومات الواردة عن نصيحة استودعها السفير السابق جيفري فيلتمان، وتقضي بحضّ الفريق السلطوي على التصعيد إلى درجة توحي بعواقب كبيرة على المستويين الأمني والاقتصادي، ومرافقة ذلك مع تحرك جماهيري ضخم يفوق عدده المليون، ومن ثم تنظيم كلمات خطباء المناسبة بحيث يتولى النائب سعد الحريري التركيز على المحكمة الدولية والضباط الموقوفين، فيما يتّهم جنبلاط النظام السوري وحلفاءه اللبنانيين بكل عمليات الاغتيالات، بالإضافة إلى طلب الحماية الدولية، على أن تعمم هذه العبارة على كلمات كل الخطباء، وتستكمل بموقف مماثل لمرجعيات روحية.
وتؤكد المعلومات أن الهدف من النصيحة الأميركية هو ملاقاة الخارجية الأميركية بما جرى التمهيد له أثناء زيارة ديفيد ولش وإليوت أبرامز الأخيرة، وهو استعداد إدارتهما إلى طرح موضوع تدويل الانتخابات الرئاسية من خلال صوغ مسوّدة قرار يستهدف سوريا وحزب الله من دون إيران، ليطرح على مجلس الأمن بالتلازم مع مشاورات عربية ـــــ دولية لإقراره، أو الطلب إلى بان كي مون وضعه ضمن جدول أعمال الجمعية العامة للتصويت عليه إذا وضعت روسيا «الفيتو» عليه، فتخرج عندها إدارة الأزمة من أيدي الأطراف اللبنانيين. وتؤكد مصادر المعارضة أن النصيحة الأميركية لقيت انتباهاً جدياً في الفلك الجنبلاطي، فجرى عرضها لتصبّ في استنتاج واحد هو «ليس أمامنا خيار»، ليلي ذلك انكباب «هيئة التنسيق الثلاثية» بين «الاشتراكي» و«المستقبل» والسفارة الأميركية على دراسة خطة تنفيذية شملت اختيار مناسبة معينة، وحشد أكبر حضور شعبي والتنسيق المسبق مع البطريركية المارونية ومسيحيي السلطة، بحيث يتحلى الأخيرون بمظهر الهدوء تاركين للقطبين السنّي والدرزي إتمام الفصول التصعيدية، لأن العقبة الكبرى أمامهما هي حزب الله والتحالف الشيعي الذي إذا ما انزلق إلى الفتنة أو الانكفاء يكون هدف السلطة قد تحقق، وعندها يُترك التيار الوطني وتيار المردة للمعالجة على يد لقاء قرنة شهوان سابقاً.