عفيف دياب
لا يخفي الوزير والنائب السابق محسن دلول سروره «لأنّني لست نائباً في مجلس النواب، ولا أتخيّل نفسي نائباً في برلمان كهذا». ولكن هذا الغياب لم يُحله على التقاعد، فهو منكبّ على الكتابة والقراءة ومتابعة تفاصيل الحياة السياسية، مع زيارات بين الحين والآخر لعدد من القيادات


ينتقد الوزير والنائب السابق محسن دلول بشدّة ما يجري اليوم في لبنان، ويرى «أنّنا نعيش في مرحلة انعدام الوزن. فكلّ واحد يدّعي أنه القضية، ولكن للأسف لا أحد منهم قراره بيده. إنّهم يغطّون السماوات بالقبوات، وإذا أردت أن أعطي وصفاً دقيقاً لحال البلد، يمكنني القول إننا الآن في عصفورية متنقّلة».
يقارن دلول بين «زعماء اليوم والأمس»، ويقول إن: «الزعيم في الماضي كان يخجل من أن يقول أنا زعيم، بينما نراهم اليوم يتباهون بذلك. فزعماء اليوم لا يعرفون، للأسف، ماذا يوجد تحت أقدامهم. لم يعد في لبنان رجال دولة، يوجد فقط رجال البرهة والهنيهة، يعيشون فقط من التجييش الطائفي وتحريك الغرائز، وعليهم أن يعلموا أن الطائفية طابة إذا رميتها على الحائط تعود إليك، وهي شرّ، ومن يلعب بالشرّ سيرتدّ عليه». ويتابع دلول في وصفه لقيادات لبنان الحالية: «إنهم مراهقون... سيدفعون الثمن ورأسهم سيرتطم بالحائط».
تسأل دلول عن النائب سعد الدين الحريري وخطابه الأخير، فيجيب بالقول: «لا تسألني كثيراً عن الخطابات والأقوال وتصرفات الشيخ سعد الدين رفيق الحريري. عندي وفاء كبير لرفيق الحريري، وأنا أحترق وأتلوّع وانقهر».
هل كنت تتمنى أن يكون النائب الحريري على غير ما هو عليه الآن؟ يجيب: «بالتأكيد. أنا أحترم هذا البيت كثيراً، إنه بيت الكرم والأصالة. الرئيس الشهيد رفيق الحريري لم يكن يُعدّ أولاده للسياسة. ولكن لن أنتقد هذا البيت. (النائب) وليد جنبلاط ينتقدني دوماً ويظلمني أحياناً، ولكن عندي وفاء للشهيد كمال جنبلاط».
كيف هي علاقتك بالنائب جنبلاط اليوم؟ يرد دلول: «ليست جيدة»! ويتابع حديثه عن الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي «ظُلم في حياته وفي مماته وبعد استشهاده. كان رجل دولة من الطراز الرفيع. لقد كان نموذجاً يختلف عن النماذج الموجودة الآن. وأعتقد بأننا اليوم بحاجة إلى خطاب وطني، والخطاب الوطني ضروريّ جداً إذا كانت هناك مناسبة كمناسبة ذكرى استشهاد الرئيس الحريري».
هل هناك من يتاجر بدم الرئيس الحريري؟ يجيب أبو نزار، بعد لحظة من الصمت: «إنّ الذين يتباكون اليوم على الرئيس الحريري هم أنفسهم الذين كانوا يشتمونه كل يوم، ويتصارعون معه، ويتحدّثون عنه بالسوء، وكذا وكذا. أتمنى أن يُفتح الأرشيف ليعرف الجميع ماذا كانوا يقولون عن الرئيس الشهيد».
يؤكد دلول، الذي لم يزر دمشق منذ عام 2005، أن عدم زيارتها «لا يعني أنني على خلاف معها»، مشدداً على أنه ليس مع أي فريق في لبنان، «ولا هون، ولا هون». ولكنه يرى أن «الحل ليس في سوريا، بل جزء منه هناك، وقد تكون دمشق جزءاً من الأزمة اللبنانية وتعقيداتها، هي تعوق، لكن غيرها أيضاً يعوق الحل (...) فالحكي اليوم في لبنان فيه الكثير من السطحية. لنسأل من هم هؤلاء الذين يتحدثون اليوم عن سوريا ويكيلون لها الاتهامات؟ لنأخذ السيرة الذاتية لكل واحد منهم. جميعهم كانوا يصلون إلى السلطة ويصبحون نوّاباً ووزراء بناءً على الرغبة السورية. وعندما كانوا يخرجون من السلطة، كانت دمشق تطيّب خواطرهم. للأسف لم يعد عندنا رجال دولة». ويتابع: «أنا لا أريد أن أدافع عن سوريا، وهي ليست بحاجة إليّ كي أدافع عنها. لو كانت الأكثرية النيابية بيد سوريا، لأمكننا القول إنها لا تدعهم يذهبون لانتخاب رئيس للجمهورية، والأكثرية عندنا كانت تصرخ وتهدّد بانتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً، فلماذا لم يفعلوا ذلك؟».
لماذا برأيك لم تُقدم الأكثرية على ذلك؟ يقول دلول: «لا أعرف السبب، ولكن كل ما أعرفه أن لأميركا «مونة» عليهم بدرجة معينة. وحتى اللحظة، لم أسمع أن أميركا تؤيّد المبادرة العربية. عندما كان الرفيق برنار كوشنير يشتغل على الملف، كانت الولايات المتحدة تعرقل عمله، وكوشنير كان متحمّساً للمرشّح ميشال إدّه، وغلطته أنه كان يسوّق لمرشّح واحد، واستدرج البطريرك صفير حتى طرح لائحة أسماء».
وعمّا إذا كان لا يزال العماد ميشال سليمان مرشحاً توافقياً، يقول دلول: «العماد سليمان لم يعلن أنه مرشح، وحركة الزيارات التي قام بها انتهت، ولا تستطيع اليوم أن تقول لسليمان أنت مرشح أم لا. وهو بالأساس لم يقل إنه مرشح للرئاسة، وعلينا هنا أن نعرف من رشّحه لرئاسة الجمهورية». ويضيف: «أعتقد بأن الذين يعرقلون وصول قائد الجيش إلى الرئاسة هم الذين رشّحوه، وبمعنى آخر كل الأطراف، داخلياً وخارجياً». وهل هو مرشح داخلي أم خارجي؟ يجيب دلول: «لقد شكّل العماد سليمان في لحظة معينة مخرجاً من الأزمة. فعندما رُشّح اعتقد الجميع أن الأمور انتهت، وأن انتخابه سيتم فوراً. ولكن يبدو أن لبنان هو بمثابة ربط نزاع لكل الأطراف الدولية والإقليمية». ورأى أن المبادرة العربية «لم تكن منصفة، فهي منحازة مثل مبادرة الرفيق كوشنير. فالمبادرة العربية كانت أيضاً لتسويق مرشح واحد هو العماد سليمان، وكأنهم بذلك يحرقونه (...). وللأسف، وُلدت المبادرة سطحية، ومن ثم لرفع العتب. الأفق مسدود، والأزمة قد تطول. فعلى الأقلية النيابية أن تتمتع بحسن الدراية، وعلى الأكثرية أن تتمتع باحترام الأقلية». وعما إذا كانت المعارضة جادة في دعمها للعماد سليمان، يقول دلول: «في أدبيات العماد ميشال عون إنه لم يُلغِ الرئاسة من رأسه، وهذا حقه (...). ولكنّ عون لا يتمتّع بصفة رجل دولة. عنده ميل إلى السلطة، والذي يتعذب في الحياة هو الذي يتمتع بشبق السلطة وشبق العائلة والبيت».
ولكن إذا حُلّت الأزمة السعودية ــــ السورية، هل تُفرج هنا؟ يضحك دلول ويجيب: «هذا الأمر يساعد، ولكن بدّك تشوف أميركا شو بدها. هناك منطق في الحياة يقول إذا أردت أن تقاتل الحرام، فعليك أن توفّر الحلال. لا أحد اليوم يوفّر الحلال. نحن اليوم أمام مشكلة كبيرة. هل سيبقى سليمان قائداً للجيش وهو سيحال على التقاعد هذا العام، ومن سيأتي مكانه؟ رئيس الأركان الذي هو من أكفأ الضباط. وهنا أصبح السؤال مشروعاً: ما الذي سيحل بالوضع الماروني الداخلي. صلاحيات رئيس الجمهورية بيد سنّي، وقيادة الجيش برئاسة درزي، ومن الممكن أن نصل بالبلد إلى هذا المشهد، تمهيداً لتمزيقه، ولا أدري ما إذا أصبح لبنان وطناً غبّ الطلب عند القوى الدولية والإقليمية».
دلول الذي لم يعد يلعب دور الوسيط وناقل الأفكار والاقتراحات، كما في السابق، أعلن عن اقتراح لحل أزمة الحكومة وصل إلى الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى: «علينا أن ندخل في الحكومة مباشرة إذا كان فعلاً القرار بيدنا. لنشكّل حكومة لا ثلث معطّل فيها ولا نصف أو ما شابه.
واقترحت أن يكون رئيس مجلس القضاء الأعلى وزيراً للعدل، وهو لا يصنَّف في 8 أو 14 آذار، وإذا كان مصنَّفاً فهذه كارثة على البلد. ونقيب المحامين الذي انتُخب من جميع القوى وزيراً للداخلية، وتعيين رئيس غرفة التجارة في صيدا ونظيره في زحلة وزراء، مع عدد آخر لا علاقة لهم بالطرفين. وأمام هذه الحكومة مهمّة واحدة فقط، وهي قانون الانتخابات النيابية، وعلى مجلس النواب أن يعطيها صلاحية إصدار القانون الانتخابي بمرسوم اشتراعي حتى لا يناقَش في المجلس النيابي، ونعطيها مهلة 6 أشهر لذلك، ثمّ نُجري الانتخابات النيابية التي يكون قد اقترب موعدها.
ويتابع دلول: «اقترحت المبادرة على الأطراف المحلية ولم تعجبهم، ولكن عمرو موسى اهتم بها، وأرسل صديقاً ليأخذ التفاصيل. لكنّه حين كان يسأل عن التفاصيل، بقي يسألني: ومتى يُنتخَب العماد سليمان رئيساً للجمهورية؟