طرابلس ـ عبد الكافي الصمد
مع أنّه يفترض انتظار يوم الخميس، مناسبة الاحتفال بالذكرى الثالثة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، لمعرفة إذا كانت زيارة رئيس «تيّار المستقبل» النائب سعد الحريري «المفاجئة» إلى طرابلس قد نجحت أو منيت بالفشل، وبأيّ مقدار، فإنّ معطيات عدّة تدلّ على جملة أمور غير إيجابية طغت بشكل بارز على الزيارة.
فقد مثّل وصول الحريري فجر السبت إلى عاصمة الشمال إشارة إلى أنّه أراد من زيارته أن يرمي بثقله الشخصي من أجل تأمين أكبر حشد ممكن من المناصرين والمؤيّدين، مطلقاً خلال الزيارة، وهي الثانية له إلى الشمال منذ الانتخابات النيابية عام 2005، سلسلة مواقف سياسية اتسمت بالحدّة والانفعال.
ومع أنّ الحريري لم يزر طرابلس العام الماضي للمناسبة عينها،فإنّ ما تواتر إليه من أنباء عن أنّ فتوراً يسود طرابلس والشمال، وعدم تجاوب الشارع مع نوّاب التيّار ومسؤوليه كما يجب، ما من شأنه أن يؤثّر سلباً على المشاركة الجماهيرية الكثيفة فيها، جعله يقوم بالمهمة بنفسه لإنقاذ الموقف، محاولاً تكرار التجربة التي قام بها قبل ثلاث سنوات، عندما أعطته طرابلس والشمال الأكثرية النيابية.
وعلى غرار ما حدث في عام 2005، اتخذ الحريري من فندق «كواليتي ـــــ إن» في طرابلس مقرّاً له، حيث عقد سلسلة اجتماعات ولقاءات، بحضور بعض نوّاب كتلته في الشمال، مع منسقي التيّار في طرابلس والأقضية، وعدهم فيها بإطلاق سلسلة مشاريع تنموية وتربوية وصحّية، في خطوة طرحت تساؤلات عن «اختيار توقيتها وكيفية ترجمتها على الأرض»، ووجدتها أوساط سياسية شمالية متابعة «ربطاً مباشراً بين المال السياسي، وشراء ولاء الناس بشكل علني ومفضوح».
فوسط إجراءات أمنية مشدّدة اتخذت في محيط الفندق منذ وصوله إليه، وتحوّله إلى ما يشبه ثكنة عسكرية مصغرة، أستخدمت فيها الكلاب البوليسية لتفتيش الداخلين إليه من المدعوين، بمن فيهم المشايخ، كانت أصوات الأعيرة النارية تنطلق من البنادق الحربية في عدّة مناطق في طرابلس، فضلاً عن إطلاق قنابل يدوية ومفرقعات نارية لحظة إطلالة الحريري التلفزيونية مساء السبت.
وقد أوقعت هذه التصرفات إرباكاً وإزعاجاً واسعاً في أوساط المواطنين، رغم أنّ الحريري طالب أنصاره بالتوقّف عن ذلك، مشيراً إلى أنّ «هذه الأمور ليست لنا»، في مقابل مطالبته أشخاصاً لم يسمّهم في المعارضة في طرابلس والشمال بأن يضبّ كلّ واحد منهم جماعته!
هذه التصرّفات والمواقف جعلت أكثر من مصدر سياسي وديني في طرابلس يؤكّد أنّ «ليلة الرصاص» تلك ستنعكس سلباً على نزول الطرابلسيين والشماليين إلى ساحة الشهداء، ذلك أنّ «العائلات والشريحة السنّية الواسعة التي شاركت في 14 آذار 2005 بلا أيّ مقابل مادي، كما يحصل حالياً بشكل مخجل، ومثّلت «بيضة القبّان» الأساسية من بين المشاركين يومها، لن تقدم على ذلك مجدّداً، لأنّ إطلاق الرصاص وممارسات «الزعرنة» التي مورست عليهم أيّام السوريين والميليشيات تمارس عليهم اليوم، وهو ما دفع أحدهم إلى القول: «إذا أراد ابن رفيق الحريري إعلان الحرب، فالأولى به أن يعلنها من بيروت، فطرابلس ليست ـــــ بالمعنى الجغرافي ـــــ مجاورة للشيعة، وأهلها لم يُعرف عنهم تاريخياً أنّهم يحبّون خوض الحروب، فكيف إذا كانت من أجل غيرهم؟».
إلا أنّ إشارته الانتقادية أمام الوفود التي زارته إلى أنّ «كلّ واحد صار معو مصاري، فكّر حالو صار زعيم»، فُسّرت بأنّها انتقادات ضمنية إلى حلفائه في طرابلس تحديداً، وسط معلومات عن استياء كبير في أوساطهم نتيجة «الخطاب التعبوي الذي بدأ الحريري بشنّه قبل وصوله، إضافة إلى محاولته وأنصاره استباحة المدينة، وهو أمر يسيء إلى ذكرى والده».
في موازاة ذلك، علقت أوساط سياسية على تصرّفات الحريري ومواقفه بقولها: «لقد أتى إلى طرابلس ليلتقي بجمهوره الخاص فقط، وبدا من خطابه كأنّه لا يريد الالتقاء بأحد، إضافة إلى أنّه مارس قدراً من عدم «اللياقة الاجتماعية»، من خلال عدم زيارته المفتي الجديد لطرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار في منزله، لتهنئته أولاً، ومن ثمّ اصطحابه، بدلاً من استدعائه إلى لقاءات عاجلة في مقر إقامته، لطلب المشاركة بكثافة في الذكرى!».