حسن عليق
يظنّ المرء أحياناً أنّ المتّهمين بخطف الطائرات وتفجير السفارات لا يملكون عنواناً، ولم تلدهم أمّهات يشتقن إليهم. إلا أنّ «سوبرمان» قد يكون، هو الآخر، من لحم ودم

عماد مغنية: رجل قصير، خطف طائرة ورهائن، قاد عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي والأميركيين.
هو ما بقي في ذهن طفل في السابعة من عمره، بعد سماعه حديثاً بين والده وقريب له من قادة المقاومة.
يقفز هذا الحديث من الذاكرة مع كل انفجار في العالم، وكلما أراد الأميركيون أن يذكرونا بأن لهم عندنا ثأراً.
كبر الطفل، وحضَر عماد مغنية مراراً: تفجير في الأرجنتين، وآخر في الصفير يُقتل فيه شقيقه فؤاد، وفي الأرجنتين مجدّداً، ثم في الخُبَر. قرأ عن كارلوس ووديع حداد، وكان اسم عماد مغنية ملاصقاً للاسمين. بعد عشر سنوات، انتقل الشاب إلى الضاحية.
قيل له إن أهل عماد مغنية يسكنون المبنى المجاور. إحساس بالرهبة يكسره عاجلاً تواضع الحاج أبو عماد، وحنان أم عماد. أبناؤه يزورون منزل جدهم دائماً. هم أذكياء وسريعو البديهة. يَسأل أحدهم عن والده فيجيب بأنه مسافر ولم يرَه منذ زمن. منزلهم غير معروف، يستقبلون الأصدقاء في منزل جدهم، ولا يقبلون أن يوصلهم «غريب» إليه عند المساء. وكأكثر قادة المقاومة، يُرسِل عماد مغنية ابنيه في عطلتهما المدرسية مع المقاومين إلى جبهة الجنوب.
تزداد الرهبة ويزداد آل مغنية تواضعاً وفخراً.
أمّ ككلّ الجدّات. قلبها تعِب. تسير وحدها في يوم القدس. تريد رؤية السيد بين الحشود، وهي التي تعرف ما يكنّه لها. أبو عماد، «بَيّ الكلّ»، يُكثِر من التدخين ويَرفض نصيحة الأطباء والجيران.
يهمس صديق في أذن الشاب يوماً: لقبه الحاج رضوان، هو المعاون الجهادي للسيد حسن نصر الله.
لحظات ويوضِح الصديق المعنى: يُشرف عماد مغنية على جميع الوحدات المقاوِمة في حزب الله. تزداد المعرفة به، ويزداد معها الغموض: يوجّه المقاومين، يفتح خطوطاً لإيصال السلاح إلى المقاومة في فلسطين، يخطّط لعمليات نوعيّة...
عام 1998، انتُخِب جواد نور الدين عضواً في مجلس شورى حزب الله.
بعد عناء كبير، يؤكد الصديق أن الاسم مستعار، فلا يرِد سوى الاسم ذاته: عماد مغنية. يومئ الصديق إيجاباً.
لم يعد الحزب تشكيلاً غريباً، ولا اسم الحاج رضوان: إنه ممّن أمسكوا بالحزب كما يُمسِك مزارع جذع شجرة صغيرة.
تحرّر الجنوب، وأتت بعده عملية خطف الجنود الإسرائيليين وألحنان تيننباوم. كان السيّد والحاج في قلب ما جرى، كما في وجوه كل المقاومين الذين لا يتوقفون عن ذكر اسميهما.
تجده دوماً بقرب السيّد. يُطمئِن حضورُه أبناء المقاومة على المسيرة. قال أحدهم: صلّيت لأجله ركعتين في مكة، الحاج رضوان حضننا الدافئ.
صباح أمس، لم يفتح الحاج أبو عماد محله، ولم يأتِ بعد الموظّفين كالمعتاد. هل غيّر ذلك الرجل الصلب عادته؟
بعد دقائق، تصرخ والدة الشاب كما لم تفعل مذ فقدت رفيق عمرها. تطرق الباب غير مردّدة سوى كلمات قليلة: قتلوا عماد مغنية.