رنا حايك
يمثِّل موضوع العلم والتكنولوجيا محطّ اهتمام مؤسسات التنمية العالمية، إذ إن التجربة أكدت أن العلم الأساسي وارتباطه بالتكنولوجيا هما الحجر الأساس لتحقيق التنمية المستدامة.
لطالما أدى لبنان دوراً ريادياً في المنطقة لكونه مركزاً للتعليم النوعي والتطوير الاقتصادي والتجاري والسياحي والصحي، إلا أن الخطر في فقدانه هذا الدور يتفاقم يوماً بعد يوم، على أثر فقدان البلد لأهم مقومات اقتصاده: رأس المال والعنصر البشري اللذان يتسرّبان دوماً إلى الخارج.
ربما كانت هذه الاعتبارات وراء الخطة الخماسية التي وضعها المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان خلال شهر نيسان من عام 2006 بهدف تطوير سياسة علمية وطنية، خطة أعدّها ستون باحثاً لبنانياً ومنحتها منظمة الأونيسكو الصدقية وبدأت الصناديق العربية بدراسة تمويلها الذي قدّر بخمسة وثلاثين مليون دولار، ثم جمّد تنفيذ معظم بنودها إثر تبدّل الأولويات بعد عدوان تموز وما تلاه من عدم استقرار سياسي وفراغ في السلطة حتى يومنا هذا.
بعد انقضاء ثلاث سنوات على إطلاقها، يشرح الأمين العام للمجلس، الدكتور معين حمزة، لـ«الأخبار» ماهية «مخطّط سياسات العلم والتكنولوجيا والإبداع» ومحتواه وما نفّذ منه حتى اليوم.
فقد عمل الباحثون على تحديد أولويات البحث العلمي في أربعة مجالات حيوية، هي: البيئة والزراعة، علوم الإنسان والمجتمع، علوم الهندسة والصناعة، وقطاع الطب والصحة العامة. وكان الهدف الأساسي وراء الخطة «تحديد العوائق في كل قطاع، والإمكانات المتوافرة للنهوض به، والفرص المتاحة لتحقيق ذلك من خلال اقتراحات لتوجيه البحث العلمي نحوها». والبحث العلمي، كما يشرح حمزة، له الدور الأكبر في خدمة المجتمع وتطوير التعليم العالي وتحقيق التنمية المستدامة التي لا تستوي إلا إذا بُنِيَتْ على المشورة العلمية. لذلك، يشدّد المجلس على إعداد الموارد البشرية لإنشاء قاعدة من الباحثين لتنفيذ الخطة. يقدم المجلس اليوم منحاً لإعداد الدكتوراه لحوالى عشرين طالباً متفوقاً كل عام، في انتظار زيادة هذا العدد عند توافر التمويل للمخطط الذي أعدّه. بعد عودة هؤلاء الموفدين إلى لبنان، يتعاقد المجلس معهم، لكنه يعجز في معظم الأحيان عن الاحتفاظ بهم.
فالرواتب التي تقدمها المؤسسات الرسمية منخفضة، وتحديثها، الذي لحظته خطة المجلس، يستدعي إقرار سلسلة رواتب جديدة للباحثين العلميين بقانون من مجلس النواب. إلا أن هذا العائق لا يمنع المجلس من متابعة تقديمه للمنح، كذلك لم يمنعه عدم حصوله على التمويل الكافي لتنفيذ الخطة من تنفيذ ما يطاله منها. فقد كان من المفترض أن تموّل الحكومة اللبنانية ثلث تكلفة الخطة على أن تتكفل المنظمات الممولة بالثلثين.
اليوم، يبذل المجلس أقصى جهوده لتنفيذ جزء من الخطة، فيوجّه الطلاب الذين يمدّهم بالمنح الدراسية لبحوث من ضمن الأولويات العلمية التي تمثّل محاور الخطة الرئيسية، كما يضع هذه المحاور ضمن أولويات برنامجه لدعم مشاريع البحوث العلمية لهذا العام، داعياً جميع الباحثين إلى التقدم بمشاريعهم في هذه المجالات. كذلك يباشر اليوم بإنشاء وحدات بحثية بالاشتراك مع الجامعات يصرف عليها من «اللحم الحي» على حد تعبير حمزة، أي من الموازنة السنوية الخاصة بالمجلس.
يركّز حمزة على أهمية هذه الخطة، إذ إن هدفها هو تحسين نوعية الإنتاج اللبناني وتحسين الظروف والمعطيات البيئية وخلق فرص العمل المميزة للبنانيين وتوطيد العلاقة بين قطاعي البحث العلمي والصناعة. وهذا الموضوع يحتاج إلى ثقافة ووعي بين الشركاء، وإلى تقديمات رسمية تمنح الدولة بفضلها الصناعيين حوافز وحسومات على مردوداتهم وعلى الضرائب التي تستحق عليهم لقاء استثماراتهم في مجال البحث العلمي. وهذا هو الأسلوب الذي اقترحه المجلس في خطته، لكن تنفيذه يستدعي قراراً وتحركاً من الحكومة والتزاماً شفافاً من القطاعات الإنتاجية وأهمها الصناعة والخدمات.
للبنان مصلحة في تبني سياسة للعلوم والتكنولوجيا والإبداع واعتمادها في المشاريع الإنمائية ومدها بالموارد البشرية المتميزة. مسؤولية الدولة، كما يؤكد حمزة «أساسية ولا مهرب منها، والرهان على حسن التنفيذ والمتابعة والتقويم، رهان مضمون نظراً لكفاءة الموارد البشرية والخبرات اللبنانية القادرة على التزامه».
ينتظر المجلس اليوم عودة الاستقرار السياسي لتحديث خطته ومباشرة تنفيذها، فإعادة القراءة ضرورية، ولبنان، بحسب حمزة، هو «أكثر بلد في العالم يتعرّض لتسارع في تبديل الأولويات».
أما بعد إعادة تكييف الخطة مع الظرف الراهن، وذلك أمر سهل يكون من خلال ورشة عمل مكثفة تنجز عملها خلال شهرين من الزمن، فيقتضي وجود سلطة لتتبناها. هل يكون ذلك قريباً؟