فاتن الحاج
أفقد الطيران الإسرائيلي عام 1989 شفيق قليلات سمعه، لكنّه عجز عن انتزاع إحساسه بالفن الذي قرّر استثماره إلى حد الإبداع

لا يخجل الطالب شفيق قليلات (20 عاماً) من الصم، فالتواصل مع الآخر لا يحتاج بالنسبة إليه إلى أكثر من قراءة حركات الشفاه والأطراف، والولوج إلى القلب. ومع ذلك لم يكتفِ شفيق بلغة الإشارة، فتدرّب على يد اختصاصية نطق مدى خمس سنوات «كنتُ الوحيد الذي لا يسمع في البيت، وأبي هو من قرّر أن يؤمن لي معلمة خاصة عندما بلغتُ الثالثة عشرة، لأنني كنتُ أُصدر بعض الأصوات من دون أن أتكلم». ثم يشرح الظروف التي فقد فيها السمع: «كنتُ في عمر السنتين حين أغار الطيران الإسرائيلي على منزلنا في عرمون، فارتفعت حرارتي وتغيّرت كل حياتي». لكن شفيق يسارع إلى القول: «على كل حال إسرائيل لم تقصدني، فقد استهدفت كل لبنان». ثم يضحك قائلاً: «ما بزعل لأني ما بسمع، الحمد الله إنو ما بسمع، هيك رواق».
من مدرسة جوهر إلى مدرسة البيان للصم التابعة لدار الأيتام الإسلامية في عرمون، فمركز تعلّم الصم في بعبدا، ينوي شفيق تتويج رحلته بدراسة جامعية في الغرافيك ديزاين أو الإخراج والتصوير، أو «Multimedia»: «بدي جامعة جديدة، ما فيها صف صُم، ليصير فيها دمج وإتعلم مع ناس عاديين، بس أنا بحاجة للغة إنكليزية ومصاري». وكان شفيق قد خضع في السنة الماضية لدورة مكثفة في اللغة الإنكليزية، استعداداً لهذه المرحلة، فيما ينهي الصفوف الثانوية في السنة المقبلة.
لم يتأخر شفيق في الانفتاح على مجتمعه، بعدما انتقلت العائلة للسكن في العاصمة، في عام 2000، مراهناً في ذلك على قدراته «أنا موهوب»، كما يقول بثقة. ويشرح كيف اقترح على أمه أن تسمح له بالسير في شوارع بيروت، والذهاب إلى المحال التجارية لشراء الثياب والحاجيات «كان عندي حشرية لإتعرّف عالعالم».
تعرّف شفيق إلى محمد، أحد أصحابه الصُم الذي ساعده على التواصل مع جمعيات شبكة الدمج «هناك تعلّمتُ أنني لستُ مختلفاً، وأنجزتُ مع مجموعة من رفاقي فيلم صوتنا». ثم شارك في ورش عمل ونشاطات ضمن مشروع «الآخر» مع جمعية على بعد أمتار «هنا أيقنتُ أنّ التمييز لا يجوز أن يكون قائماً». لم ينسج شفيق علاقات مع شباب الجيران «لأنّ اهتماماتي تختلف عن اهتماماتهم، فهم ملتهون بالنرجيلة والانترنت، أما أنا فأفضل أن أمضي أوقات فراغي في كتابة القصص الصغيرة والرسم والتصوير». ولم يتوان شفيق عن اللعب مع أطفال النازحين في حرب تموز، مستخدماً قدرته على زرع البسمة على وجوههم. وهنا يشير شفيق إلى أنّه يعشق هذا المجال الفني الذي يتيح له العمل ضمن دوام حر، بعيداً عن «سجن» المكتب.
أما العلاقة مع المسرح فحكاية طويلة تعود إلى المدرسة في عرمون حيث تعرّف إلى المخرج عصام بو خالد «هونيك بلشنا مع الإيماء من دون حكي، والأستاذ عصام علّمنا كيف نركّز على الأصوات والمؤثرات مع الحركة». يضع شفيق يده على الطاولة محاولاً أن يشرح الموقف «طق، طق». ثم يقول: «أجبرنا المخرج الذي أنجزنا معه خمس مسرحيات، في ما بعد، على استخدام صوتنا، واختراع فكرة نعمل عليها، فكان مشهد التاكسي حيث تحدثّتُ للمرة الأولى على المسرح».
بعد سنة واحدة، كان على شفيق أن يشارك في سيناريو «عالم بلا صوت» «حبيت كتير هيدي المسرحية لأنو جمهور المسرح كان عم بيضحك ويبكي بنفس الوقت». واللافت، يقول شفيق، «أننا لم نعلن أنها مسرحية للصم، والناس لم يكونوا يعلمون من يسمع ومن لا يسمع».
وأدّى شفيق، أخيراً، دور البطل في مسرحية (1909/226) التي تنتقد قانون تأسيس الجمعيات الشبابية، فكان المحرّك الرئيسي لها، واختبر للمرّة الأولى التعاطي مع الموسيقى والعمل مع ناس عاديين، من خارج بيئته.