صيدا ـ خالد الغربي
بدت اللافتات الحمراء، على محدوديتها، والمعنونة بذكرى تحرير صيدا من الاحتلال والمؤكدة على خيار المقاومة، كأنها تخرق غابة اللافتات الزرقاء المرفوعة في شوارع صيدا وساحاتها والمتصلة بذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أو كأنها نقطة نظام تريد أن تصحّح بعض المفاهيم والقول إن انتصار الخيار المقاوم الذي حرّر صيدا من الاحتلال وتلوّن بدماء الشهداء على مختلف اتجهاتهم هو قمة «الحرية والسيادة والاستقلال».
في مثل هذا اليوم في السادس عشر من شباط من عام 1985 رحل الإسرائيليون وأعوانهم عن منطقة صيدا بعد احتلال دام عامين وثمانية أشهر، تحت ضربات المقاومين في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (التي يسجل في وثائقها وأرشيفها أعلى نسبة عمليات في عام 1984 حيث نفذت 161 عملية للجبهة وحدها) والمقاومين في المجموعات الإسلامية ولا سيما قوات الفجر التي استشهد قائدها جمال الحبال عام 1983 مع مقاومين اثنين في مواجهة مع الإسرائيليين.
اللافتات الحمراء التي رفعها التنظيم الشعبي الناصري وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية أكدت انتماء صيدا المقاوم. «المقاومة ليس شعراً بل فعل وممارسة»، تقول إحدى اللافتات بينما تقول أخرى «ستبقى صيدا من أواخر العواصم العربية التي تقاتل إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية». وتلاقي قوات الفجر بلافتاتها الخضراء لافتات الناصري الحمراء في تأكيد خيار المقاومة مهما كانت الظروف واعتبارها مشروعاً واحداً يمتد «من فلسطين الى لبنان الى العراق ومهما تآمر المتآمرون» على حد تعبير لافتة «فجرية».
أسماء مقاومة أرّخت لانتصار المدينة من عيني «أبو معروف» (مصطفى سعد) الى شهادة نزيه القبرصلي ومحمود زهرة ورشيد بروم وفضل سرور وعمار قوصان وعشرات الأسماء من الشهداء الى مئات المعتقلين، بينهم الشيخ محرم العارفي وقيادات وطنية بارزة الى أولئك «الذي لم يعرفهم أحد إلا عندما تعلقوا متل التحف»، الى المقاوم الفلسطيني في منطقة صيدا الذي تماهى بالعمل المقاوم اللبناني وكانت بندقيته في تصرف الفعل الوطني المقاوم.
«اشهد يا عالم علينا وع البوليفار (يقصد بوليفار معروف سعد) الذي شكل مصيدة للقوافل الصهيونية» يقول مقاوم وطني تقاعد منذ أوائل التسعينيات لكن عام 2006 جعله العدوان الإسرائيلي يحنّ الى «وظيفته» السابقة فعاد منتظراً الفرصة، شأن كل شوارع المدينة وساحاتها التي أرقت الإسرائيليين ذات يوم وهزمتهم.
لم يقاوم مقاومو صيدا، كما الجنوب بالرصاصة فقط، بل تعدّدت «المواهب» المقاومة من الإضرابات الى الموقف (الذي هو سلاح) الى الاعتصامات والتحريض والكلمة والاجتماع، وقبل كل شيء تعزيز وحدة المدينة ورص صفها الداخلي فظهرت بموقف الإجماع، وتدل على ذلك المواقف الصادرة عن الاجتماعات التي كانت تعقد في مراكز قياداتها، كما لعب صحافيو تلك المرحلة دوراً بارزاً في فضح الاحتلال ونقل أخبار المقاومة فأُدّب بعضهم، إما اعتقالاً وإما ملاحقة ونفياً وإما إقفالاً للمكاتب وتفتيشاً للمنازل.
وبموازاة جبهة المقاومة الوطنية تشكلت جبهة المواجهة الشعبية الجنوبية التي قادها الراحل مصطفى سعد إضافة الى مهمته كمنسق ميداني لعمل وحدات المقاومة الوطنية، ورسمت جبهة المواجهة الخطوط العريضة لإفشال الأهداف السياسية للاحتلال. ويروي أحد الذين عايشوا تلك المرحلة «كيف أن الوزير الصيداوي الراحل بهاء الدين البساط المعروف بوطنيته»، والذي كان عضواً في الحكومة التي شهدت اتفاق 17 أيار قد قدم استقالته احتجاجاً على الاتفاق (وزميلين آخرين له) بعد اجتماع جمع البساط مع وفد صيداوي برئاسة مصطفى سعد.
لا ليس باستطاعة أحد أن يغيّر جلد المدينة المقاوم منذ ما قبل نكبة فلسطين، يقول القيادي في التنظيم الشعبي الناصري محمد كرجيه، ستبقى المدينة بلبوسها الوطني، مؤكداً أن هناك فرقاً بين المقاومة والمقاولة، ويرى كرجيه أن جهات سياسية، بالاعتماد على يساريين سابقين وإسلاميين، تحاول النيل من المقاومة عندما تمارس نوعاً من العصبية الطائفية والمذهبية ومن «التمريك والتنمير»، كالقول «نحنا أول من عمل مقاومة» وكأنهم يريدون القول إننا مع المقاومة الوطنية ولسنا مع المقاومة الممذهبة لكن القاصي والداني يعرف أن الجهة التي تحاول بث ذلك لم تكن يوماً مع المقاومة لا من قريب ولا من بعيد ولا مع خياراتها، بل العكس، كانت على الدوام نقيضاً للمقاومة ومشروعها سواء كانت وطنية أو إسلامية أو حملت أي هوية ولون، كما يقول كرجيه.
وصدرت مواقف وبيانات عن الشعبي الناصري والجماعة الإسلامية والحزب الديموقراطي الشعبي والحزب الشيوعي اللبناني وقوات الفجر والمجلس البلدي والشيخ حسام العيلاني والشبكة المدرسية.
ويحيي التنظيم الشعبي الناصري وجبهة المقاومة المناسبة بلقاء شعبي يقيمه عند ساحة الشهداء حيث ستضاء شعلة التحرير، وتزهر أضرحة شهداء الاجتياح. ويلقي النائب أسامة سعد كلمة سياسية، كما أشارت بعض المدارس الى نشاطات فنية وإنشاد النشيد الوطني وكلمات للحديث عن الذكرى.
«يا صيادا يلقي الشبكة يجعل الدبابة سمكة»، أغنية لطالما ردّدها الوطنيون وذاع صيتها في زمن الاحتلال الإسرائيلي للمدينة للدلالة على اصطياد المقاومين للصهاينة، وبعد مرور 23 عاماً على تحرير صيدا من الاحتلال ثمة من يتهم بعض الأطراف بالسعي الى دور إسرائيلي. ويقول بيان صادر في المناسبة عن الأحزاب الوطنية في صيدا، «إن العدو الصهيوني الذي طُرد من الباب نراه يحاول العودة مجدداً من الشباك في سياق المؤامرة الأميركية على لبنان، هذه المؤامرة المذكورة تدّعي كذباً الحرص على لبنان ومصالحه واستقلاله، فيما هي تعمل فعلياً على إسقاطه تحت هيمنة الحلف الأميركي الصهيوني الرجعي، وفي أيدي عملائه. كما أن هذه المؤامرة تستهدف المقاومة وسلاحها، ووحدة لبنان وعروبته والسلم الأهلي في ربوعه».