طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
لم يُفلح اللقاء الموسّع الذي نظمه «منتدى المهندسين» في جمعية «العزم والسعادة»، بالتعاون والتنسيق مع بلدية طرابلس ونقابة المهندسين في الشّمال، الذي عقد نهاية الأسبوع الماضي في القصر الثقافي البلدي (قصر نوفل)، لعرض معالجة أوضاع ضفّتي نهر أبو علي، في تقريب وجهات النّظر بين أفرقاء وأطراف داخل المجلس البلدي وخارجه، لناحية سقف جزء منه وتحويل السير في محيطه، في إطار مشروع الإرث الثقافي المموّل من البنك الدولي، الذي بدأ العمل به أخيراً. وقد وصل التباين بينهم إلى حدّ إصدارهم بيانات توضيحية أو اعتراضية بشكل شبه يومي.
وإذ تعود أسباب تلك الضجّة إلى تعلّقها بأوضاع شريحة واسعة من السكّان في منطقة شعبية وحيوية تقع وسط المدينة القديمة، إلى جانب أنّ المشروع المقترح تنفيذه سيغيّر معالم المنطقة بشكل واسع، فإنّها كانت دافعاً في مشاركة رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر، ابن المدينة، في ذلك اللقاء، حيث أكّد أنّ المجلس «يسعى في كلّ عمل يقوم به، إلى القيام بالمشاريع التي تراعي عملية الإنماء في كلّ المناطق اللبنانية»، لافتاً إلى أنّه «على استعداد تام للأخذ في الاعتبار كلّ الملاحظات التي تعطى بشأن هذا المشروع، وبالتالي إجراء التعديلات الضرورية عليه إذا اقتضت الضرورة، وبقدر حاجة المنطقة إليها»، مشيراً إلى أنّ المجلس «سيقدّم كلّ ما يلزم لإتمام هذا المشروع على أكمل وجه، بنحو يضمن للمدينة نموّها وازدهارها، ومصلحة الأهالي فيها».
في موازاة ذلك، فإنّ رئيس البلدية رشيد جمالي، الذي يتولى منذ فترة مهمّة الدفاع عن المشروع ومنافعه، وتوضيح النقاط المبهمة والعالقة بشأنه، لفت إلى أنّ المشروع «سيعود بالفائدة المؤكّدة على المدينة، وخاصة في ما يتعلق بالمرحلة الثالثة منه، وهي سقف مجرى نهر أبو علي مسافة تقارب ثلاثمئة متر منه»، مشيراً إلى أن هذه العملية «ستحلّ مشكلة التلوّث الحاصل على مجرى النهر، ولن تؤثر على الناحية البيئية، وهي ستغطّي فقط ثمانية في المئة من المجرى الباطوني للنهر، خلافاً لما يروّج له البعض»، مؤكّداً أنّ الدراسة التي وضعت «تحرص على الحفاظ على النهر كمعلم طبيعي مهم، تربطه علاقة وطيدة بتراث مدينة طرابلس وأهلها، وإجراء بعض التعديلات على مجراه».
إلا أنّ المداخلات التي قدّمها معارضو المشروع والمطالبون بإجراء تعديلات عليه، وخصوصاً لجهة النيّة في استخدام الجزء الذي سيُسقف من النهر من جانب أصحاب البسطات والباعة الجوّالين وعربات الخضر الموجودة بكثرة في محيط المكان، دفعهم إلى التحرّك مجدّداً. فرئيس لجنة التخطيط والمشاريع الإنمائية في البلدية، جلال عبس، أكّد في بيان له أنّه، بعكس ما يقول جمالي، «لم يجر في أيّ وقت من الأوقات عرض تفاصيل المشروع على المجلس البلدي، على الرغم من مطالبة العديد من الأعضاء مراراً بذلك»، مستغرباً ردّ رئيس البلدية، عند سؤاله عن تلك التفاصيل، بأنّه «لغاية هذا التاريخ لا وجود لديه لنسخ حديثة ومعدّلة عن التصاميم الهندسية، أو لدفاتر المواصفات والكميات، أو لجدول وبرنامج الأعمال»، مؤكّداً أنّه «من غير المسموح أن يكون هذا المشروع قد جاء لتشويه وطمس وتزييف أصالة الإرث الثقافي لهذه المدينة»، محذّراً من أنّه «لن نقبل بعد اليوم بأن نبقى متفرّجين على ما يحصل من تخريب وتشويه لهذا الإرث، نتيجة ما نُفّذ من أعمال في المرحلتين الأولى والثانية».
وفي الوقت الذي طالب فيه عبس «بإيقاف الأشغال على الموقع، وإعادة النظر في العديد من الأمور، بما في ذلك موضوع سقف النهر»، مقترحاً «تأليف لجنة مشتركة لإعادة النّظر في المشروع»، وعارضاً تصاميم أخرى بديلة للمشروع، رأى العضو البلدي إبراهيم حمزة أنّ المشروع الذي «لاقى اهتمامنا جميعاً، وبات في مراحله الأخيرة الآن، قد لحظ النّهر بشيء من المظلمة، وكذلك الحال بالنسبة إلى سكّان المدينة وجمالها وبيئتها وسياحتها»، مشيراً إلى أنّه «قد تكون الإساءة غير مقصودة، ولكن علينا طرح الموضوع على أهل الاختصاص قبل الانزلاق في عملية التنفيذ». وتساءل: «ماذا سيحصل تحت هذه المصطبة الطويلة؟ بالتأكيد ستتحوّل إلى بؤرة سيّئة، ومرتع للمدمنين والمشرّدين، وتتصاعد منها الروائح الكريهة، وهذا سيتطلب المزيد من الرقابة الدائمة والصيانة المستمرة»، مضيفاً: «من لم يستطع المراقبة والمحاسبة في النهر المكشوف، هل يقدر على المراقبة والمحاسبة في النهر المسقوف؟».