strong> جوانا عازار
لم تعد دراسة «الصحافة» حكراً على كلّية الإعلام والتوثيق، فقد بات جائزاً اليوم إضافة هذه المادّة إلى المنهاج التربوي لمرحلة التعليم الثانوي في المدارس، حيث كانت مدرسة راهبات الورديّة في جبيل أوّل من خاض التجربة منذ أن بدأت الأحداث في لبنان وتحديداً منذ ثلاث سنوات. ولعلّ الدافع وراء تعليم هذه المادة هو أن الإعلام أصبح مسيَّساً، ما يجعل الحاجة إلى الحقيقة أمراً ملحّاً.
ولكلّ هذه الأسباب، بادرت «الورديّة» إلى توعية الطلّاب على مغالطات الوسائل الإعلاميّة، فأنشأت مادّة «الصحافة الفرنكوفونيّة»، كغيرها من المواد الأساسيّة، بحيث تمكّن التلميذ من التنبّه إلى الأخطاء الإعلاميّة واستنباط الأخبار الصحيحة. وفي هذا الإطار، تلخّص التلميذة في الصف الثانوي الثاني ـــــ فرع الاقتصاد والاجتماع، ميشيل أبي سمرا أهداف المادّة بأنّها «جعلتنا ننتبه إلى الأخطاء التي ترتكبها بعض وسائل الإعلام التي لا تتّبع قواعد الكتابة الإعلاميّة السّليمة، والتي تذكر كلّ منها الخبر من زاوية معيّنة، فتتحدّث واحدة عن مليون ونصف مليون متظاهر في ذكرى 14 شباط الثالثة، فيما لا يتعدّى عدد المتظاهرين بالنسبة إلى أخرى مئتي ألف متظاهر».
تبدو ميشيل كغيرها من تلامذة صفّها الذين وجدوا متعة في الصحافة «الموضوعيّة» التي تدرّسها المتخصّصة في الصحافة الفرنكوفونيّة جوزيان الخوري، إذ باتوا أكثر وعياً لدور الإعلام الذي أصبح، بحسب ما تصفه الخوري، «مسيّساً ومغلوطاً في عددٍ من جوانبه، يسهم في شحن النّفوس بدل أن يربّي على السلام». وتجد خوري أنّ من المفيد «تعريف النشء بكيفيّة صياغة الأخبار، بحيث نجعلهم أقرب من الأحداث الحاليّة التي يشهدها لبنان، فيناقشون الأحداث المستجدّة ويعمدون إلى الربط بينها وبين الوضع السيّاسي والإقليميّ الراهن».
ويضيف التلميذ رولان نصر ـــــ فرع علوم الحياة، إلى كلام مدرّسته بضع نقاطٍ أخرى يجدها مهمّة «إذ إنّنا ننتبه اليوم أكثر إلى تقطيع النصوص الإخباريّة وتركيبة الخبر بحسب سياسة كلّ وسيلة إعلاميّة»، فيما انتقدت زميلته شانتال طنّوس إبراز قسم من الحقيقة على حساب أقسام أخرى، وذلك حسب اهتمامات كلّ وسيلة إعلاميّة.
وفي ما يتعلّق بطريقة تدريس المادّة، تشرح الخوري أنّ السنة الدراسيّة تُقسّم إلى ثلاث مراحل، تبدأ بتلقّي التلامذة الجانب النظريّ مثل قواعد الكتابة الإعلاميّة وكتابة الأخبار العاجلة وتعريف أنواعها، يخضعون بعدها إلى امتحان. وفي المرحلة الثانية، ينتقل التلامذة إلى الناحية التطبيقيّة، بحيث يكتبون مواضيع إذاعيّة يصفون خلالها أنفسهم من زاوية فريدة، ومواضيع أخرى يصفون خلالها زميلاً لهم، إلى أن يصلوا إلى كتابة مواضيع عن أحداث حاليّة من زاوية محدّدة. أمّا المرحلة الثالثة فتمثِّل تتويجاً للسنة الدراسيّة، يُقسَّم خلالها التلامذة إلى أربع مجموعات، تختار كلّ منها يوماً من السنة الحاليّة يقومون بتغطية نشاطاته ضمن شروط البثّ المباشر، فيتواصلون مع مراسلين ومتخصّصين في الموضوع ويجرون تحقيقات خاصّة، ويُصار إلى تسجيله، على أن يُحاسبوا في نهاية مشروعهم «على طريقة اللفظ والتنفّس والإلقاء ومخارج الحروف». كذلك يقوم التلامذة، من جهةٍ ثانية، بإعادة صياغة نشرة تلفزيونيّة خاصّة بمحطّة لها رأيها السياسيّ، ويعمدون إلى ترتيب تسلسل الأخبار من دون تبنّي رأي المحطّة وذلك «بإعطاء الحقيقة دون غيرها».
واللافت أنّ المادّة كغيرها من المواد الدراسيّة الأساسيّة تحمل علامة على عشرين. وفي هذا الإطار، تشير الخوري أيضاً إلى أنّها «تفيد التلامذة بشكلٍ مباشر أو غير مباشر». وقد تسهم في بعض الأحيان بتغيير توجّهات التلامذة الجامعيّة، إذ يبدي الطلّاب رغبة في إكمال مادّة الصحافة في الجامعة، وإن كان كلّ واحدٍ منهم يفضّل نوعاً دون آخر منها. فالتلميذة كارلا عيد التي تكتب المقالات السياسيّة منذ أن كانت في الثانية عشرة من عمرها، ستكمل الدراسة في الصحافة السياسيّة، فيما تفضّل زميلتها ميشا رميا التوجّه إلى الصحافة الفنيّة، فيما تأمل سارة قرقفي أن تصل إلى إصدار صحيفة مختصّة بالمواضيع الاجتماعيّة والحالات الصّعبة التي تهدّد مواطنين لبنانيّين.
من جهتها، تلفت مديرة المدرسة الأخت سيرافيم سلامة إلى «أنّ هذه المادّة قد منحت الطلّاب آفاقاً للتفكير، ويعود ذلك إلى حاجة التلامذة لمعرفة ما يقرأون وكيف يقرأون، وخصوصاً أنّ الإعلام هو سلاح ذو حدّين، وعلينا الاستفادة من جانبه الإيجابيّ فقط». وتضيف سلامة أنّ «تجاوب التلامذة كان لافتاً في الأعمال التطبيقيّة التي أنجزوها، وقد استفادوا منها من خلال التعرّف إلى المصطلحات الخاصّة بالمهنة»، مفتخرة بأنّ أربعة من تلامذتها يتابعون اليوم تخصّصهم الجامعيّ في الصحافة.