حسن عليق
خضع نحو 100 قاض وضابط ومسعف ومنقذ من مختلف الأجهزة اللبنانية لدورة تدريبية على العمل في مسرح الجريمة اختتمت أمس في بيروت، بتمويل وتدريب من الاتحاد الأوروبي. وقد شدّد المدير العام لقوى الأمن الداخلي خلال الاختتام على ضرورة تدريب المحققين وتجهيزهم، إضافة إلى حصر إدارة مسرح الجريمة بجهاز أمني واحد

أكّد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، أمس، أن المختبرات الجنائية الخاصة بقوى الأمن ستجهّز بأحدث الآلات المتوفرة عالمياً، في مهلة أقصاها 6 أشهر، بعدما تعاقدت المديرية مع شركة لبنانية ـــــ يابانية لتجهيزها بكل الأجهزة الموجودة في الدول المتطورة. وأوضح ريفي أن هذه التجهيزات موِّلَت من الهبة السعودية التي وصلت إلى الجيش وقوى الأمن بعد معارك نهر البارد، والتي جرى الاتفاق مع رئيس الحكومة على أن يكون جزء منها لتجهيز المختبرات، «لقناعتنا أن المختبرات الجنائية هي حاجة ماسة لقوى الأمن الداخلي، تماثل حاجتنا إلى التجهيز بالسلاح». وأضاف أن «قوى الأمن أخذت موافقة على التعاقد مع 22 خبيراً لتشغيل المختبرات الجنائية، على أن يجري قبول طلبات الاختصاصيين المرشحين خلال أسابيع قليلة، بعد الإعلان عنه. وهؤلاء سيبدأون العمل في المختبر بعد تجهيزه، على أن يخضعوا لدورة جامعية تخصصية مدتها عام واحد».
كلام ريفي لـ«الأخبار» كان إثر اختتام دورة تدريبية، أمس، في مجال «التحقيق الجنائي وإدارة مسرح الجريمة»، موّلها الاتحاد الأوروبي، عُقِدّت على مدى خمسة أيام في فندق «كراون بلازا» ـــــ الحمرا، وشارك فيها، كمتدرّبين، 10 قضاة (مدعين عامين وقضاة تحقيق) و30 ضابطاً من الجيش و35 ضابطاً من قوى الأمن الداخلي و15 من الصليب الأحمر و15 من الدفاع المدني و10 من فوج إطفاء بيروت.
وتناولت الدورة مواضيع «مسرح الجريمة والرد المباشر»، و«إدارة مسرح الجريمة» ودور المؤسسات المختلفة، إضافة إلى «البحث وحفظ الأدلة والمعالم». وقام بالتدريب ثلاثة خبراء أوروبيون: ضابطان إسبانيان (الأول اختصاصي في مسرح الجريمة، والثاني رئيس غرفة العمليات والمراقبة في مدريد) وضابط بريطاني من قسم مكافحة الإرهاب في «سكوتلاند يارد».

ريفي: المباحث العلمية حصراً

وقال ريفي لـ«الأخبار» إن هذه الدورة حلقة من حلقات برنامج كبير للتدريب على التحقيق الجنائي. ورداً على سؤال عن ضرورة تعيين مدير لمسرح الجريمة، أكّد ريفي «أن هذا المدير موجود، وهو المدعي العام، سواء كان التحقيق بإشراف المدعي العام التمييزي أو بإشراف النيابة العامة العسكرية أو إحدى النيابات العامة الاستئنافية. أما إدارة مسرح الجريمة بشكل مباشر فهي بيد قوى الأمن الداخلي أو بيد الجيش، حسب طبيعة الجريمة. ففي محاولة اغتيال وزير الدفاع الياس المر واغتيال اللواء الشهيد فرنسوا الحاج، تولى الجيش التحقيق الجنائي المباشر. بالمقابل، في محاولة اغتيال المقدم سمير شحادة وفي اغتيال الرائد الشهيد وسام عيد تولّت قوى الأمن الداخلي الإدارة. ورداً على سؤال عن إمكان الوصول إلى مسرح جريمة لا يدخله عناصر من قطعات مختلفة وأجهزة أمنية متنوعة في الوقت ذاته، قال ريفي إن «المبتغى هو الوصول إلى وقت يكون فيه مسرح الجريمة تحت السيطرة الحصرية لقسم المباحث العلمية في الشرطة القضائية، على أن يكون محيط مسرح الجريمة بيد القوى السيارة في قوى الأمن الداخلي، التي نقوم بإعدادها لتحمل هذه المسؤولية». ولفت ريفي إلى أن هذا التقسيم محسوم إدارياً، لكن «مشكلتنا تكمن في غياب ثقافة العمل الجماعي بين مختلف القطعات والأجهزة». وتوقّع ريفي أن نصل إلى إدارة مهنية وعلمية لمسرح الجريمة في غضون سنتين، بعد إزالة كل المعوقات التي تجري إزاحتها.
وعن تجهيز معهد قوى الأمن في عرمون، قال ريفي إن كلفته تبلغ نحو 40 مليون دولار، سيجري تأمين المرحلة الأولى منها كهبات. وأكّد أن المعهد «بحاجة إلى سنين عديدة كي يبدأ بالاعتماد على اختصاصيين لبنانيين للتدريب، وبالتالي، من المتوقع أن نعمد خلال الفترة الأولى إلى طلب خبرات أجنبية لتدريب رجال الأمن اللبنانيين».

لوران: محاكاة لمسرح الجريمة

وفي هذا الإطار، قال سفير الاتحاد الأوروبي باتريك لوران لـ«الأخبار» إن «الاتحاد سيموّل تجهيز المعهد بمبنى لمحاكاة مسرح الجريمة المفتوح والمقفل، في إطار مشروع بكلفة 4 ملايين يورو، وإن العمل سيبدأ فور تجهيز الأمن الداخلي اللبناني للمبنى، وهذا متوقع خلال عام من الآن».
وكان لوران قد ألقى كلمة في اختتام الدورة، قائلاً إنها «واحدة من الخطوات الأساسية الأولى في إطار تنفيذ مشروع تحسين التحقيقات الجنائية في مختلف مراحلها، والذي تموّله المفوضية الأوروبية (2,3 مليون يورو)». مضيفاً أن إسبانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة التزمت المشاركة في التدريب الملحوظ في المشروع. ورأى لوران أن هذا التعدد حشد أفضل المهارات الأوروبية القادرة على التكيف مع حاجات المؤسسات الوطنية، مضيفاً: «طيلة هذا الأسبوع، ذكّر المدربون بالقواعد التي يجب اتباعها في مسرح الجريمة لحماية الأدلة والمعالم. وقد عرضوا لكم بروتوكولات الاتفاقات المعتمدة في أوروبا بين مختلف الأجهزة والتي تسمح بتنظيم الأدوار على الأرض». وختم لوران بالتأكيد أن المفوضية الأوروبية ستتابع تعاونها مع لبنان في المجال الأمني.
وقد اختتمت الدورة بكلمة للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي رأى فيها «أن أهمية هذه الدورة تأتي من كونها تسعى إلى تحسين أداء قوى الأمن الداخلي في مجال مكافحة الجريمة، ولا سيما الجرائم الإرهابية منها». وتوجه ريفي «بالشكر إلى الدول الأوروبية التي ساهمت في هذا البرنامج الضروري لتطوير إمكاناتنا في إدارة مسرح الجريمة». وقال إن «المعضلة الأساس ليست مع الجرائم الجنائية العادية، بل مع الجرائم المنظمة والجرائم الإرهابية، والتي يرتكبها مجرمون محترفون يملكون من الإمكانات المالية والقدرات والخبرات ما يكفي ليساعدهم على رفع نسبة نجاحها وعلى إخفاء معالمها وخيوطها». وأكّد ريفي على ضرورة «تطوير إمكاناتنا لنتمكن من كشف هذه الجرائم ووقف هذا المسلسل الإجرامي»، مع التشديد على «أهمية مسرح الجريمة وما يشكله من منطلق أساسي لكشف أية جريمة». ووجه ريفي تحية خاصة إلى رجال قسم المباحث العلمية الذين أدوا عملاً جباراً من دون أن توفر لهم الإمكانات المطلوبة.
وكانت الطاولة المستديرة التي شارك فيها المتدربون قد خرجت بعدد من التوصيات، أهمها: تحديد مسؤول مباشر لإدارة وتنسيق العمل في مسرح الجريمة ــ عزل مسرح الجريمة بطوقين خارجيين من قبل القوى الأمنية (إبعاد المدنيين والعسكريين) على أن تحدّد هذه القوى مسبقاً ــ إيجاد ممر آمن يسمح بدخول وخروج الاختصاصيين مع الآليات والمعدات التي ستستعمل في مسرح الجريمة ــ تنظيم سجل دخول وخروج مع تحديد مكان واحد لذلك ــ تأمين وسائل اتصالات لا تتأثر بالضغط على الشبكة ــ استخدام مواد متطوّرة لإطفاء الحرائق أقل ضرراً على الأدلة ــ تصوير مسرح الجريمة وتحديد مكان الأدلة قبل نقلها إلى المختبرات.