الدوحة ـ فاتن الحاج
حَضَر لبنان في مؤتمر الدوحة الإقليمي للتعليم للجميع بلداً يعيش حالات نزاع وما بعد النزاع والطوارئ رغم تراكم التجربة التعليمية اللبنانية. وعلى رغم التشنّج الذي يلقي بظلاله على الواقع التربوي اللبناني، بدا مستغرباً مقارنته بالدول العربية الأخرى التي عاشت أزمات ضخمة مثل السودان والعراق وفلسطين والصومال واليمن وغيرها

لم يخرج لبنان بنظر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) من دوّامة النزاعات، بدليل أنّه فشل في بناء مواطن مسالم يحل المشاكل بالطرق السلمية، فيما لم يستفد نظامه التربوي بشكل كامل من فترة السلم الأهلي التي دامت نحو 15 سنة لإعادة اللحمة بين الشباب، والاختلاط بين اللبنانيين، أو ما تعبّر عنه «اليونسكو» بالتقارب أو «العيش معاً»، باعتباره أحد ركائز التعليم.
ويشرح الخبير التربوي في المنظمة الدكتور رمزي سلامة أنّ الصراع الطويل لا يزال مستمراً، والانقسام الداخلي يؤثر على تكوين المواطن اللبناني لجهة التربية المدنية والاندماج الاجتماعي «فالمطلوب تربية مواطن يكنّ الولاء ويقبل بشكل جدي وحقيقي بشرائح المجتمع من دون تفرقة». ويقول: «ما زلنا نعيش مرحلة ما بعد النزاعات، تُضاف إليها التعديات التي تمثّل تحديات جديدة للنظام التربوي ليعالجها وينهض من جديد، فالاعتداءات الإسرائيلية المتكررة تؤثر في مسيرة التربية الطبيعية وسيرورة العملية التعليمية، فبدلاً من أن يسير النظام التعليمي على طريق التطوير بات عليه أن يعالج أزمات متتالية».
أمّا سوريا التي تحفّذظت على مقارنة لبنان بالدول التي تعاني أزمات ضخمة ودعت إلى تدخل إيجابي وسريع، فلم تعد تنظر إلى التربية على أنها خدمات تلتزمها الدولة بل استثمار في الرأسمال البشري. وقد سارت وزارة التربية السورية منذ ثلاث سنوات في خطة وطنية تركّز على نوعية التعليم والمساواة بين الجنسين، وتؤكد معالجة قضايا التسرب والأمية. وقد بلغت نسبة الالتحاق في عام 2007، بحسب وزير التربية الدكتور علي سعد، 99% في التعليم الأساسي، مبدياً ارتياحه لتأمين المدارس وانتشارها وفق خريطة تربوية تراعي التوازن بين المدنية والريف. وإذا كانت الناحية الكمية مؤمنة، فالتحدي الكبير، بحسب سعد، هو النوعية المرتبطة بكل متغيّرات العملية التربوية. وهنا عمدت سوريا إلى إعادة النظر في بناء المناهج بدءاً برياض الأطفال، وأطلقت في هذا المجال مسابقة دولية هي الأولى من نوعها لتأليف الكتاب المدرسي في ضوء المعايير الوطنية للمناهج التي أنجزت بخبرات وطنية ومساعدة المنظمات الدولية كاليونسكو، وستغلق في آذار بعدما تقدّم لها الكثير من دور النشر العالمية. أمّا الكتب المدرسية ذات الصلة بالهوية الوطنية مثل العلوم الاجتماعية والتاريخ، فأعدّها فريق وطني، على أن يبدأ التطبيق في العام الدراسي المقبل. على صعيد آخر، سعت الوزارة إلى تعميق تأهيل المعلمين وتطويرهم عبر مشروع إعادة ثلاثين ألف معلّم من الميدان إلى الجامعات لإعادة إنعاش معلوماتهم والحصول على درجات جامعية، على أن يُنتظر منهم إحداث نقلة نوعية. «لم نعد نكتفي بمعهد إعداد المدرّسين، وممنوع أن يدخل التعليم من لا يحمل إجازة تعليمية»، يقول سعد مشيراً إلى دمج التكنولوجيا بالتعليم عبر اتفاق بين وزارة التربية والأمانة السورية للتربية، تمهيداً للانتقال إلى التعليم الإلكتروني. ومنح شهادة دبلوم تأهيل تربوي بالتعاون مع الجامعة الافتراضية. من جهة ثانية، تستعد الوزارة لافتتاح الفضائية التربوية التعليمية خلال شهرين بغية زيادة وعي الطالب في تخصصه وتحسين تواصل أولياء الأمور مع المدرسة.
لكن سوريا تواجه معضلتين، أُولاهما خضوع التعليم في الجولان لأهواء الاحتلال الإسرائيلي ووجود أكثر من مليون ونصف مليون نازح عراقي على أراضيها، منهم 67% في سن التعليم، كما يقول مدير التخطيط والإحصاء في وزارة التربية عبد السلام سلامة. غير أنّ عدد التلامذة العراقيين الملتحقين لا يتجاوز عددهم 55 ألف تلميذ، باعتبار أنّ نسبة العراقيين المتسرّبين كبيرة في سوريا والعراق على حد سواء. ويشرح سلامة السياسة السورية في استيعاب جميع التلامذة العرب وعدم تمييزهم عن التلامذة السوريين عبر تقديم الكتب مجاناً والإعفاء من الرسوم، ودمجهم مع أبنائنا، بحيث بلغت نسبة العراقيين في بعض المدارس 50%. وبالنسبة إلى التنسيق مع الحكومة العراقية، يقول: «لقد نسّقنا مع العراقيين في سوريا، أمّا حكومتهم، فلم تتدخل بشكل مباشر ولم ترقَ إلى مستوى المساعدات الضخمة». ومع أنّ وجود العراقيين يؤثر سلباً في السياسة التي تنتهجها الحكومة السورية باتجاه تجويد التعليم، تسعى وزارة التربية إلى بناء عدد أكبر من المدارس لاستيعاب جميع الأطفال العراقيين «لأننا لا نمنع أي تلميذ عراقي من الالتحاق بالتعليم، وإن كنا نتمنّى أن يزول الاحتلال ويعود العراقيون إلى ديارهم». ويضيف: «نبحث عن الميزانيات التي تغطي الحاجات، مع العلم أن الحكومة السورية بدأت برفع موازنة وزارة التربية لتصبح 100% في نهاية الخطة الخمسية (أكثر من 80 مليار ليرة سورية).
وفي الأردن، بلغ عدد التلامذة العراقيين 25 ألفاً، وقد اتخذت الحكومة بتوجيهات من الملك الأردني عبد الله الثاني قراراً منذ مطلع العام الدراسي 2007 ـ 2008 بالسماح بقبول جميع التلامذة العراقيين في المدارس من دون توافر شروط الإقامة القانونية في الأردن. ولم تفرد الأردن مدارس خاصة للعراقيين الذين قدّر عددهم بنصف مليون. ونتيجة هذا القرار التحقت معظم الفئات العمرية بالمدارس، وإن كان هناك بعض الأطفال في سن المدرسة لم يلتحقوا لأسباب خاصة، على حدّ تعبير وزير التربية الأردني الدكتور تيسير النوعيمي. ويشرح النوعيمي: «أعفينا التلامذة العراقيين من التبرّعات المدرسية الرمزية ولم نخلق نظاماً موازياً، ولأن العراقيين تركّزوا في العاصمة عمان لجأنا إلى اعتماد الدوامين وتزويد المدارس بمزيد من التجهيزات وتعيين أعداد إضافية».
في المقابل، برز الأردن والبحرين الدولتين العربيتين الوحيدتين اللتين صنّفتهما «اليونسكو» ضمن الدول التي لديها احتمالية عالية لتحقيق جميع أهداف التعليم للجميع. ففي الأردن، هناك خطة وطنية تنفّذ منذ عام 2000 باتجاه تحقيق الأهداف، وتشمل عناصر تجويد التعليم وتطوير المناهج ونظم التقويم والتنمية المهنية للمعلمين وتوظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ويشير النوعيمي إلى «أننا الدولة العربية الأولى التي مددت فترة التعليم الأساسي عشر سنوات دراسية في إطار تشريعي ضمن قانون التعليم للجميع». وتتضمّن الخطة الأردنية عناصر أخرى، منها إنشاء رياض أطفال حكومية، بعدما كانت هذه المرحلة في السابق محصورة بالقطاع الخاص، وتبني الوزارة سنوياً 60 روضة أطفال تتركز في المناطق الفقيرة والنائية لرفع درجة الاستعداد لتعليم الأطفال، وتكاد تكون نسبة الالتحاق كاملة. ففي التعليم الأساسي (97%) وفي التعليم الثانوي (88%) وتصنّف المؤشرات الأخرى ذات العلاقة بنوعية التعليم الأردن الأول عربياً. وبالنسبة إلى الهيئة التعليمية، يحمل 80% من المعلمين الأردنيين الإجازة الجامعية، والباقي من حملة الدرجة الجامعية المتوسطة. وتمثّل موازنة وزارة التربية 12% من الميزانية العامة و5% من الناتج المحلي الإجمالي. وعن التجربة الأردنية بأبعادها المختلفة، يرى النوعيمي أنّ التقدم لم يكن ليتحقّق لولا وجود الاستقرار الداخلي والإرادة السياسية لتطوير التعليم والاستثمار في التعليم الإلزامي الحكومي ووجود خطة وطنية.