إبراهيم الأمين
مع الوصول المتوقع اليوم للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، يعيش اللبنانيون آخر المحاولات الجادة لحل الأزمة على قاعدة انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأليف حكومة وفاقية. وفي حال فشل المبادرة فإن الأمور سوف تتجه إلى الأسوأ بحسب تقديرات معظم اللاعبين الذين توقفوا الآن عن الصراخ إفساحاً أمام المسعى الأخير، علماً بأن التعبئة الداخلية لا تزال ناشطة وكذلك «عدة» المواجهات.
ومع أن الحذر يسود جميع الأوساط، فإن مصدراً رفيعاً في المعارضة دعا إلى التعامل بطريقة مختلفة مع المسعى العربي، متحدثاً عن نشاط عربي هو الأول من نوعه منذ فترة طويلة، ومشيراً إلى «انفراج جدي في العلاقات السورية ـــــ السعودية، ما يسمح بفتح كوّة كبيرة في جدار الأزمة اللبنانية ويسهّل الوصول إلى حل سوف يتطلب في نهاية الأمر توافقاً لبنانياً».
ويلفت المصدر إلى أن قوة المبادرة العربية تنطلق من كونها تستفيد إلى الحد الأقصى من المسعى الفرنسي الذي لم يفشل تماماً، لكنه تعثّر على صعيد المخارج بسبب رفض السعودية للطريقة التي أدارت بها باريس ملف العلاقات العربية الخاصة بها، وحيث الغضب السعودي من الاتفاق الفرنسي ـــــ الليبي لم يستكنْ بعد. كما أن السعودية، ومعها مصر والأردن ودول عربية أخرى، لا تزال تراهن على تدفيع سوريا أثماناً أخرى مقابل التسوية معها في لبنان. كما ترغب هذه الدول في أن توصل دمشق إلى حالة الاستعداد لدفع ثمن فك عزلتها الدولية، وذلك على جبهتي فلسطين والعراق وبالتحديد في ملف العلاقة بين سوريا وإيران.
ويقول المصدر إنه حتى موعد انعقاد اجتماعات القاهرة الأخيرة، فإن المجريات وتفاصيل المساعي أظهرت أن فرنسا تراجعت بفعل التحرك السعودي، وأن الإشارة الأولى جاءت من النائب سعد الحريري الذي استأنف التصعيد مباشرة بعد زيارة له إلى الرياض، رغم استمرار الاجتماعات والرسائل الفرنسية، التي كان آخرها العرض الذي تلقاه وزير الخارجية السوري وليد المعلم من المدير العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان في الثامن والعشرين من الشهر الماضي حول صيغة للحل عاد غيان نفسه وأبلغ المعلم بعد ثلاثة أيام أن الحريري رفضها. وبرر الأخير موقفه بأن الصيغة لا تتناسب ومصالح 14 آذار وأن ما ورد فيها يحقق مطالب سوريا لا مطالب فئات لبنانية.
ومع ذلك، فإن غيان لم يغادر الملعب، وشعر بالحاجة إلى محادثات مباشرة مع القيادة السعودية، فاضطرّ إلى زيارة الرياض يوم الخميس الفائت وعقد اجتماعات سبقت توجه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إلى القاهرة للمشاركة في اجتماعات المجلس الوزاري العربي. فيما كان الفرنسيون وكذلك المصريون يراهنون على تحول إضافي في الموقف السوري، متّكلين في هذا المجال على المسعى الذي قام به المسؤول الإيراني البارز علي لاريجاني.
ويكشف المصدر أن غيّان كان على صلة شبه يومية بمسؤولين لبنانيين، أبرزهم الرئيس نبيه بري. وظل الأمر بعيداً عن الأضواء ربطاً باعتبارات فرنسية داخلية، ما يعني رغبة من غيان نفسه إلى القادة اللبنانيين في عدم إثارة حفيظة وزير الخارجية برنار كوشنير الذي تبيّن أنه ليس وحده صاحب خفّة في التعامل مع الموضوع اللبناني، بل له شركاء أبرزهم الرئيس نيكولا ساركوزي الذي ورّط فريقه الدبلوماسي بمواقف لا تتطابق مع استراتيجيا فرنسا الجديدة القاضية بالانفتاح على الجميع ولا سيما على الدول التي تواجه أزمة علاقات دولية بسبب الضغوط الأميركية. حتى إن ساركوزي واصل سياسة التذاكي واللف، إذ هو يسعى من تحت الطاولة إلى محادثات وعقد صفقات تجارية كبيرة مع دول عربية مغضوب عليها، ثم يعمد في العلن إلى توجيه رسائل، منها ما له علاقة بالداخل الفرنسي ومنها ما له علاقة بالخارج، يحاول من خلالها الظهور مظهر المتشدد في إدارة هذه العلاقات. حتى إن دمشق التي لم يعجبها هذا الأسلوب سارعت إلى الإعلان جهراً عن مقاطعة التواصل مع فرنسا وأبلغت مساعدي ساركوزي أنها لا تقبل هذا الأسلوب، فإمّا تدافع فرنسا عمّا تقوم به دون خجل أو ليس هناك ما يوجب استمرار العلاقة، ولا سيما أن في سوريا رأياً قوياً يقول إن فرنسا تحتاج إلى العلاقة مع سوريا أكثر من حاجة الأخيرة إلى العلاقة مع فرنسا، وإن كانت العلاقة موجودة حكماً.
ويلفت المصدر إلى أن التحرك السعودي المعطل للمساعي الفرنسية أخذ في الاعتبار أن باريس حاولت عقد صفقة كبيرة مع سوريا، تتناول مسائل لا توافق السعودية على إدراجها ضمن أي صفقة، وخصوصاً ما يتعلق بملف المحكمة الدولية، حيث ترددت أخبار عدة، أبرزها أن التأخير في إقرار تمويل المحكمة كانت غايته تأخير الشروع في الإجراءات التنفيذية، وخصوصاً أن الجميع يعلم أن البرلمان الهولندي لن يقر مشروع المعاهدة الخاصة بمقر المحكمة، والمعقودة بين الحكومة والأمم المتحدة قبل توفير التمويل الخاص بالسنة الأولى وبالسنتين التاليتين، والذي يبلغ نحو 120 مليون دولار. وبعدما شعر ساركوزي بأن الأمور تهدد علاقات بلاده بالسعودية وبدول عربية أخرى، وعلى أثر الكلام الصريح الذي قالته وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس لنظيرها الفرنسي عن الموضوع وعن بقية ملف لبنان، كانت الانعطافة الفرنسية التي لامست حدود عودة ساركوزي للحديث عن إقرار قريب لحصة فرنسا من تمويل مشروع المحكمة.
ومع ذلك فإن المشكلة لا تزال قائمة بشأن المخرج الممكن، وتظهر سوريا تبرّماً بصمت باريس حيال الكلام الذي يحمّلها مسؤولية العرقلة، وباريس تعلم أن موقف المعارضة في لبنان المختلف عن موقف سوريا في إحدى المراحل لم يكن توزيعاً للأدوار كما وصفه الأميركيون والسعوديون وجماعتهم في لبنان، ما اضطر الوزير السوري وليد المعلم إلى التلويح بنشر جميع المراسلات بينه وبين غيّان، وقد كتبت إحدى الرسائل بخط غيان نفسه وتضمّنت ما يربك فرنسا ويريح سوريا.
إلا أن الخلاصة الأكيدة، بحسب المصدر البارز في المعارضة، هي أن الفرنسيين سيظلون على الخط، وأن المحاولة العربية لها مساحتها الكبيرة، وأن أمام عمرو موسى مهمة صعبة لكنها ليست معقدة، وإذا أخذ العرب مسافة متوازية من جميع الأطراف في لبنان وفق الاقتراح القطري فإن إمكان التوصل إلى حل جدي وقوي كبير جداً، وإلا فإن أزمة الثقة سوف تتعاظم إلى حدود لا يكون مسروراً لنتائجها سوى الرئيس فؤاد السنيورة الذي يبدو أنه لا يريد أن يخرج طوعاً من السرايا.