أنطوان سعد
ضمن المراسيم النافذة حكماً والمنشورة في الجريدة الرسمية، العدد 77 في السابع من كانون الأول الماضي، مشروع القانون الرامي إلى إنشاء البطاقة الاغترابية. وبحسب المادة التاسعة من المشروع، تولي البطاقة حاملها، الذي عليه أن يثبت أنه من أصل لبناني ويطلبها رسمياً من وزارة الخارجية أو البعثات الدبلوماسية اللبنانية في العالم، «جميع الحقوق المدنية التي يتمتع بها اللبناني بمقتضى أحكام الدستور والقوانين اللبنانية، ما عدا الحق في تولّي الوظائف العامة في لبنان، وحق الانتخاب والترشيح للانتخابات المحلية والنيابية».
أثار صدور المرسوم على هذا الشكل استياء بعض الأوساط المارونية، التي كانت تعوّل على مشروع القانون هذا لتحقيق مطلب مسيحي مزمن، وهو تمكين المتحدّرين من أصل لبناني من استعادة الجنسية اللبنانية، ومطلب استجدّ خلال الحرب التي اندلعت سنة 1975، وهو إعادة توحيد الجامعة الثقافية اللبنانية في العالم، بعدما نالت التجاذبات الطائفية من هذه الوحدة. وقد وضعت هذه الأوساط، كالعادة، عدم إدراج هذين البندين في خانة تقصير الوزراء المسيحيين في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في الدفاع عن حقوق المسيحيين، وفق ما حصل عند إقرار الحكومة مبدأ خفض العطلات الرسمية، وعهد الطفل في الإسلام، وتملّك الأجانب، والتعيينات في قوى الأمن الداخلي، وغيرها من القضايا الخلافية التي طُرحت في الآونة الأخيرة.
وفي هذا الإطار، يوضح عضو تكتل التغيير والإصلاح، النائب نعمة الله أبي نصر، أن الحكومة الحالية تخطت هذين الأمرين، على رغم أن اللجنة الوزارية، برئاسة نائب رئيس الحكومة عصام فارس، المكلّفة سنة 2004 بتقديم تصور عن إنشاء البطاقة الاغترابية قد
لحظتهما.
ويضيف أنه فاتح وزير العدل شارل رزق بالأمر، في ربيع العام الماضي، وفهم منه أنه سيقوم بما في وسعه من أجل أن يأتي مشروع قانون إنشاء البطاقة الاغترابية مشتملاً على بند يجيز تسهيل استعادة المتحدّر من أصل لبناني للجنسية اللبنانية، في حال تأمين بعض الشروط، وبعد مدة زمنية معينة، وعلى بند آخر يقترح آلية عملية لإعادة توحيد الجامعة الثقافية اللبنانية في العالم. وبحسب النائب أبي نصر، لم يتمكن وزير العدل من تحقيق هذا الأمر، وقد أبلغه بذلك قبل مدة من إقرار مشروع القانون في مجلس الوزراء في الحادي والعشرين من أيار 2007.
في المقابل، يشير مصدر مسؤول في وزارة العدل، عمل على صياغة نص مشروع القانون الرامي إلى إنشاء البطاقة الاغترابية، إلى أنه تلقّى من النائب نعمة الله أبي نصر اقتراحاً بتضمين المشروع بنداً ينص على تسهيلات للحصول على الجنسية لكل من يحمل هذه البطاقة. إلا أن هذا المسؤول ارتأى ألا يضيف هذا البند للأسباب التالية:
ـــــ إن قرار مجلس الوزراء بإنشاء البطاقة الاغترابية ينحصر في تأمين رباط بين المتحدر من أصل لبناني ووطنه الأم، وكيفية شد أواصر هذا الرباط.
ـــــ إن مسألة الجنسية من المسائل الخلافية الدقيقة في لبنان، ولا تجوز مقاربتها اليوم إلا من الباب الرئيسي، وهو قانون الجنسية المنتظر، الذي لم ير النور، على رغم أن اتفاق الطائف نص على وجوب وضعه سنة 1989.
ـــــ إن من شأن إضافة بند استعادة الجنسية إلى مشروع القانون الرامي إلى إنشاء البطاقة الاغترابية أن يوقظ كل الشياطين الطائفية النائمة التي لطالما عارضت هذا التوجه، والتي قد تبادر إلى تعطيل المشروع برمته، فيخسر اللبنانيون، كما المتحدرون من أصل لبناني، هذه الفرصة.
ـــــ بإمكان إضافة هذا الاقتراح إلى مشروع القانون في مجلس النواب لدى دراسته في اللجان النيابية، وتأمين الدعم اللازم له لكي يمر من دون مشكلة.
لا تشاطر الأوساط المسيحية، وكذلك النائب نعمة الله أبي نصر هذا المصدر المسؤول مخاوفه. لا بل هي ترى أن الوضع أكثر من ملائم لطرح هذه المسألة، لأن المسلمين على وجه العموم لا يفترض أن يروا، بعد الآن، أن استعادة الجنسية سيقلّص من دورهم بعد التبدلات الدراماتيكية في الديموغرافيا اللبنانية التي زادها خطورة مرسوم التجنيس الصادر سنة 1994، ولأن أوضاع لبنان الاقتصادية تحتاج إلى كل الطاقات اللبنانية المنتشرة في
العالم. كما أن هذه الأوساط ترى أنه لو تمكّن الوزراء المسيحيون من إقناع زملائهم السنّة بها، وكان من السهل إقناعهم بذلك بالتلويح بتجميد عضويتهم في الحكومة، لكان مرورها في مجلس النواب أضمن، على الأقل من باب
المزايدة.