أنطوان سعد
يبدي أكثر من طرف في المعارضة والموالاة على السواء افتقاده للدور الذي كان يؤديه الرئيس الراحل رفيق الحريري وقت الأزمات، وبخاصة قدرته على استنباط الحل حيث كان يبدو أن لا مجال لتخطي الحائط المسدود.
وتستذكر هذه الأوساط خاصة ما قام به سنة 1996 إبان «عناقيد الغضب» حين انبرى يبحث عن حل يوقف الحرب على رغم استيائه الكبير من دور حزب الله وعملياته التي كان يرى أنها كانت تجهض كل مساعيه لإعادة تنشيط الاقتصاد اللبناني الخارج من حرب مدمرة استمرت خمسة عشر عاماً.
ويمتدح أحد معاونيه ممن استمروا في إعطاء المشورة لنجله رئيس كتلة نواب المستقبل سعد الدين الحريري المنحى البراغماتي عند الرئيس الحريري الذي كان في الساعات الدقيقة يستنبط الحلول لأكثر الأزمات تعقيداً بغض النظر عن مشاعره ورؤيته الخاصة، لمصلحة لبنان، مبدياً أسفه في المقابل لغياب الشخصيات السياسية اللبنانية الخلاقة القادرة على استنباط مثل هذه الحلول اليوم.
وتبدي هذه الشخصية الموالية اطمئنانها لمستقبل لبنان ولوضع المسيحيين فيه، على الرغم من مشاطرتها القلقين توجّسهم من جراء تنامي ظاهرة الاعتياد على الفراغ في رئاسة الجمهورية. إذ إن الاهتمام بضرورة حصول انتخابات رئاسية فاق كل تصور، وأضحى «حركة كونية» بدءاً من مواقف البابا بنديكتوس السادس عشر والرئيس الأميركي جورج بوش المتكررة من الموضوع، مروراً بكلام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن التنوع في لبنان، وصولاً إلى الاتحاد الأوروبي وسائر دول العالم. والأهم من ذلك كله موقف رؤساء الدول العربية الذين لم يقبلوا في السابق دفع الرئيس إميل لحود للاستقالة ولا مقاطعته. فهم «يريدون للرئيس اللبناني أن يكون على غرارهم حاكماً فعلياً متمتعاً بالصلاحيات لا صورياً، مثلما في إيطاليا وألمانيا».
وبحسب هذا المصدر، «فإن العرب والعجم مهتمّون بموقع الرئاسة الأولى في لبنان ودورها خصوصاً على مستوى استيعاب الأزمات العديدة في المنطقة وامتصاصها، وهم يعلمون أن الشرط الأساسي لنجاحها يقتضي تعزيزها وتقويتها.
لذلك لن يكون مستغرباً أن تدفع الجامعة العربية باتجاه حل كل خلاف حول الحصص في الحكومة عبر زيادة حصة رئيس الجمهورية في التشكيلة الحكومية المرتقبة، وصولاً إلى ما ترفضه الأكثرية في العلن حتى الآن.
غير أن أخشى ما نخشاه جميعاً هو أن تصح مخاوف الجميع، محليين وإقليميين ودوليين، ويتضح في نهاية الأمر أن المعارضة، بكل بساطة، لا تريد الانتخابات الرئاسية خدمة لمصالح فئوية وإقليمية.
والمؤشر الأول على هذه النيات موقف المعارضة من ترشيح الأكثرية لمرشحها في الأساس قائد الجيش العماد ميشال سليمان. فإذا كان هذا الكم من الشروط قد وضع من جانب المعارضة لكي تقبل بانتخابه، فكيف كانت ستكون عليه الحال لو أن الأكثرية رشّحت شخصاً توافقياً آخر».
وتكشف أوساط مطلعة مواكبة لحركة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى أنه يحاول أن يرتب لقاء بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ورئيس كتلة نواب المستقبل النائب سعد الدين الحريري بحضوره. وإذا نجحت المساعي التي قادها موسى يوم أمس، فإن اللقاء سيتم في خلال الساعات الجارية وسيكون المحاولة الأخيرة للتوصل إلى مخرج للأزمة القائمة المعقدة ولمحاولة تسويق فكرة حل مشكلة الحصص في الحكومة العتيدة باتجاه تعزيز حصة رئيس الجمهورية. لكن المصادر المطلعة تعتقد أنه حتى لو اقتنع النائب الحريري بنظرية الثلاثة أثلاث بين الرئيس والموالاة والمعارضة، فإن العماد عون لن يلبث أن يخرج من جعبته تعقيدات جديدة قد يكون من بينها طريقة انتخاب قائد الجيش والحاجة إلى إجراء تعديل دستوري. علماً أن أجواء مختلف الكتل النيابية والقوى السياسية الأساسية في البلاد تميل إلى عدم توخي نجاح زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية في عقد جلسة انتخاب رئاسي يوم غد السبت.
مهما يكن من أمر جلسة السبت ومن غرض الزيارة التي يقوم بها عمرو موسى إلى لبنان، فإن المبادرة العربية، حتى لو لم تصل إلى خواتيمها المعلنة، حققت نجاحاً ملموساً على مستوى إعادة بعض الهدوء والطمأنينة إلى الحياة السياسية في لبنان وإبقاء التأزم داخل حلبة النزاع السياسي بين القيادات والشخصيات بعدما كانت تطورات بداية العام الجاري تشير إلى احتمال خروجه إلى حلبة أخرى.