strong>غسان سعود
• فلسطينيّون يعترضون ويستغربون التوقيت ولبنانيون يكرّرون: لن نعتذر
طرح اعتذار السيد عباس زكي من اللبنانيين تساؤلات عديدة، وخصوصاً أن بين اللبنانيين من وجد فيه خطوة أبعد من اعتذار ياسر عرفات للأردنيين واعتذار محمود عباس للكويتيين، ومقدمة توافق لبناني لكتابة تاريخ لبنان الحديث وفق الرواية الكتائبيّة

«بعد تهجيرنا من منازلنا، وتدمير مخيمنا تحت ناظريه، وعدم تحريكه ساكناً إزاء تشردنا في العراء»، يقول أحد فلسطينيي نهر البارد، «يعتذر عباس زكي باسمنا للبنانيين، مسانداً بذلك بعض اللبنانيين المتحمسين لتحميل الفلسطيني مسؤولية كل ما يلحق بوطنهم منذ إنشائه». والمؤسف، يتابع فلسطيني آخر، أن اعتذار زكي شدد على عدم اشتراطه اعتذاراً مقابلاً، متجاهلاً أفعال اللبنانيين، غير الإنسانية، بحق الفلسطينيين.
ومن ردّة الفعل الفلسطينية الأولى هذه على ما تضمنه «إعلان فلسطين في لبنان»، يعود المعترضون إلى توقيت الاعتذار وصدوره عن جهة واحدة لتأكيد عدم اعتراضهم على الاعتذار في المطلق، لكن، ورغم إصرار المستشار الإعلامي لمنظمة التحرير في لبنان، هشام دبسي، على الاكتفاء باعتبار الاعتذار الأخير تحية تمهّد لمصالحة حقيقية بين اللبنانيين والفلسطينيين، يجد المسؤول الإعلامي في حركة «حماس»، رأفت مرّة، أن «فتح» ابتدعت هذه الخطوة من خارج جدول أعمال الفلسطينيين واللبنانيين لتعالج عجزها عن ملء فراغ «الأسئلة الكبيرة»، مستغرباً إقدام «فتح» على هذه الخطوة بينما هي توتر أجواء المخيمات وتفتعل المشاكل بين هذه المخيمات وجوارها اللبناني. وإذ يحضّر «تحالف القوى الفلسطينية الوطنية» لاجتماع اليوم لبحث إعلان زكي الأخير، يقول أمين سر التحالف أبو خالد الشمالي إن الأخطاء التي ارتكبها الفلسطينيون لا تستحق اعتذاراً كهذا، وخصوصاً أن بين اللبنانيين من ارتكب أضعاف هذه الأخطاءأما لبنانياً، فقد لقي إعلان زكي ترحيباً إجماعياً. ورغم اعتبار نائب الأمين العام للحزب الشيوعي، سعدالله مزرعاني، الاعتذار خطوة مهمة، يفترض أن تمهّد لاعتذارين كبيرين، الأول من الذين جنّدوا أنفسهم لتطويق الثورة الفلسطينية، والثاني من الذين تجاوزوا مبدأ حماية الثورة وحاولوا استثمار وجودها في لبنان لتغيير موازين القوى، وجدت قوى أخرى في «البيان التاريخي» خطوة متأخرة لا تحتاج إلى رد من اللبنانيين، بحسب نائب رئيس حزب الكتائب جوزف أبو خليل، المتسائل عمَّ يعتذر اللبنانيون وهم كانوا يعيشون بسلام وازدهار في أرضهم قبل مجيء الفلسطينيين «الذين أسقطوا الدولة وورّطوا اللبنانيين في مشاكلهم». ويتابع أبو خليل أن الفلسطينيين يعلمون ما اقترفوه، وهم أصلاً قالوا إنهم لا ينتظرون من اللبنانيين اعتذاراً.
فيما وجد الوزير السابق ميشال سماحة أن الخطوة الأخيرة تحتاج إلى إثبات عملي يتمثل برفض قاطع للتنازل عن حق الفلسطينيين بالعودة، مبدياً شكّه في احتمال أن يكون «الاعتذار مقدمة كتبها ثنائي السنيورة ـــــ عباس بتوجيه من «المعتدلين» العرب لمفاجأة ما على الصعيد الفلسطيني ـــــ اللبناني». أما رئيس حزب الكتائب المستقيل، كريم بقرادوني، فيرى في «إعلان فلسطين» قراءة نقدية يعلن الفلسطينيون في ختامها اقتناعهم بتورطهم مع اليسار في حرب كانوا وقودها وأبطالها، مبدياً أسفه لخوف المسيحيين من المراجعات التاريخية والنقد الذاتي، متوقعاً أن تمضي الأحزاب المسيحية، بلا تردد، في طي هذه الصفحة دون التفكير في اعتذار ودون مناقشة اعتذار الآخر.



الضحية أنا

تكاد تكون سيرة جوزف سعادة: «أنا الضحية والجلاد أنا»، الاعتراف المسيحي الوحيد بارتكابات الأحزاب المسيحية خلال الحرب، رغم إعلان سعادة في نهايتها عدم ندمه على كل الفظائع التي فعلها، مشكلة يراها المحامي كريم بقرادوني مرتبطة بافتقاد المسيحيين إلى القادة الشجعان، الذين لا يخافون الحقيقة، ولا يشعرون بأن الاعتراف بالخطأ يهدد مواقعهم. ويقول بقرادوني إن المسيحيين الغارقين في يومياتهم، لم يجدوا بعد الفرصة لتقويم المراحل، وإن كانوا في بعض المحطات الحاسمة قد ذهبوا صوب خيارات سياسية تمثّل نقداً سياسياً غير مباشر لمراحل سابقة. ويفترض هنا القول إن بعض زعماء المسيحيين كرّسوا شعور «الضحية» عند أتباعهم، بما يمنع القدرة على مصارحتهم بأنهم كانوا الجلادين أحياناً كثيرة.