زينة خليل
بعبقريتهم الهندسية، غطّى الرومان أمبراطوريّتهم بطرقات متينة تهدف إلى ربط أوصال المدن وتسهيل طرق التجارة والممرّات العسكرية لضمان الأمن والازدهار. فارتفعت الجسور فوق مجاري الأنهار في مختلف أرجاء الأمبراطورية كما في لبنان. ولا يزال الجسر الروماني في «المعاملتين»، الواقعة في ساحل قضاء كسروان، قائماً حتى يومنا هذا ويشكّل قاسماً مشتركاً بين بلدتي غزير وطبرجا، وشاهداً حيّاً على حضارة غابرة عرفتها بلادنا.
خلال فترة الحكم العثماني أطلق على هذا الجسر اسم «المعاملتين» لاتصاله بمعاملتي صيدا جنوباً وطرابلس شمالاً، وخصّه الدكتور لويس لورته في كتابه «مشاهدات في لبنان» بالوصف، قائلاً: «جسر روماني جميل مؤلّف من قوس واحد، مبني بحجارة ضخمة منحوتة نحتاً رائعاً».
يبلغ طوله الإجمالي 35 متراً بفتحة 12 متراً، شيّده الرومان بالحجر الكلسي من الخارج ليشكّل الداخل خليطاً من الحجارة والكلس المائي. رمّم للمرة الأولى على يد الفرنسيين في عام 1925 ثم في عام 1950، حينما أدخل الباطون المسلّح على هيكليته وتمّ تلبيس بعض أجزائه. صنّف مرتين معلماً أثرياً على لائحة الجرد العام. المرة الأولى كانت أيام الانتداب الفرنسي في عام 1937، أما التصنيف الثاني فكان في شباط 1972.
الجدير بالذكر أن المنطقة الواقعة في محاذاة الجسر تزخر بالآثار. ففي سنة 1833 عثر عالما الآثار الفرنسيان أن بوتا وريمي دوسان إتيان داخل مغارة، كان سكان المنطقة قد أطلقوا عليها اسمي «مغارة آدم» و«مغارة الأسد»، على أدوات تعود إلى إنسان العصر الحجري، فصنفت ضمن لائحة «بوركهالتر» لمواقع ما قبل التاريخ. وليست هذه المغارة فريدة من نوعها في جوار الجسر الروماني، ففي عام 1908 اكتشف العالم بوفييه لابيير مغارة أخرى، عثر في داخلها على مجموعة أدوات حجرية من أزاميل ومقاشط وعظام حيوانات يعود تاريخ البعض منها إلى العصر الحجري الأوسط ـــ 35000 سنة ـــ أما البعض الآخر فيعود الى العصر النيوليتي الأوسط ـــ 8000 سنة. وقد تم نقل كل تلك الأدوات إلى متحف ما قبل التاريخ في الجامعة اليسوعية في بيروت.
وفي محاذاة الجسر، عثر العلماء على حجر لتحديد المسافات هو عبارة عن عمود يبلغ ارتفاعه زهاء ثلاثة أمتار، يحمل الرقم 215، ويعود الى عصر الأمبراطور ماركوس أوليوس. وكان الرومان يطلقون على هذا الحجر اسم «حجر الميل الذهبي»، إذ كانوا يعتمدونه في تحديد كل الطرق المؤدّية من مختلف مدن الأمبراطورية الى روما... لتصحّ المقولة «كل الطرقات تؤدي إلى روما».