نقولا ناصيف
يسابق المعلومات بعضها بعضاً حيال العودة المحتملة للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إلى بيروت في اليومين المقبلين، بين قائل إنها قد تسبق زيارته دمشق وقائل إنها ستليها. ولكل من الموعدين دلالة تتصل بعلاقة دمشق بالأزمة الدستورية والسياسية اللبنانية. ورغم التشابك الحاد بين الداخلي والخارجي في هذه الأزمة، وهو ما سلّمت به مبادرة وزراء الخارجية العرب، إلا أن موسى، بحسب مصادر دبلوماسية في بيروت واسعة الاطلاع على مهمته، يقارب كلاً من البعدين المحلي والخارجي على نحو مستقل. وهو لا يرى الصعاب والشروط المتبادلة التي يقابله بها الأفرقاء اللبنانيون أقل تعقيداً من تلك التي في دمشق.
وتستند المصادر الدبلوماسية في تقديرها للمرحلة المقبلة من مهمة موسى إلى المعطيات الآتية:
1ـــــ أنه لم ينجح تماماً في الجولة الأولى من مشاوراته في بيروت، لكنه لم يفشل تماماً أيضاً. وما ذكره لدى مغادرته من أنه يحمل عناصر جديدة للحل استخلصها من اجتماعاته بالمسؤولين والشخصيات اللبنانية، لا يعدو كونه مخارج محتملة وقابلة للدرس من أجل وضع المبادرة العربية موضع التنفيذ. فالرجل جاء إلى بيروت لإقناع الشخصيات اللبنانية بالمساعدة في إخراج أزمتهم من مأزقها، لا كي يفرض عليهم حلاً يدرك أنه ليس في وسعه، ولا كذلك الجامعة العربية والوزراء العرب حتى، فرضه ضد مشيئة أي من قوى 14 آذار والمعارضة، أو من توافقهم على الصيغة المقترحة للحل.
2ـــــ يتصرّف موسى على أساس أن المبادرة غير قابلة للتعديل أو المناقشة وإعادة البحث، وهو ما حمله على رفض فوري لما فاتحه به رئيس المجلس نبيه بري لدى اجتماعهما في اليوم الأول من مشاوراته الأخيرة عندما اقترح بري حكومة مثالثة، متساوية الحصص بين رئيس الجمهورية والموالاة والمعارضة. وكان ردّ موسى أن المبادرة لا تلحظ هذا الحساب، ولم يرد في خاطر الوزراء العرب توزيع الحقائب على هذا النحو. مع ذلك بدا المسؤول العربي منفتحاً على جملة اقتراحات سمعها من الشخصيات اللبنانية حيال إمكان عقد لقاءات جانبية، ضيقة أو موسعة، لمناقشة المبادرة العربية. وهو لم يدرج انفتاحه على هذه الاقتراحات على أساس أن خطة الوزراء العرب مسودة حل، بل كونها حلاً متكاملاً قد تساعد الحلقات المقترحة للحوار في تقريب وجهات النظر بين قوى 14 آذار والمعارضة، بغية وضع البنود الثلاثة موضع التنفيذ، لا الانتقال بها إلى صيغة مجهولة تتجاوز ما أجمع عليه وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم مساء السبت 5 كانون الثاني الجاري.
ويبدو، استناداً إلى معلومات متداولة في أوساط شخصيات معارضة بارزة، أن ثمة مسعى مصرياً لتوجيه الدعوة إلى الزعماء اللبنانيين، أو بعضهم، للاجتماع في القاهرة في سياق تشجيع الأفرقاء اللبنانيين على استعجال اتفاقهم على الحل الداخلي.
3ـــــ لم يكن الغموض الذي طبع البند الثاني من المبادرة، والمتعلق بتأليف حكومة الوحدة الوطنية بلا استئثار لفريق أو ترجيح لآخر، إلا صمام أمان المبادرة نفسها، ومصدر نجاتها، بدليل أن الأفرقاء اللبنانيين تلقفوها في البداية بترحيب غير مشروط، ولم يتردد رئيس المجلس في وصفها بالموقف التاريخي، وكذلك رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري، قبل أن يدخلوا جميعاً، بعد ساعات على الترحيب، في اجتهادات متشعبة لتفسير توزيع الحصص داخل السلطة التنفيذية. ووفق ما تقوله المصادر الدبلوماسية المعنية، فإن غموض البند الثاني حال دون إطلاق نار فوري على المبادرة برمتها ورفضها، ومكّن من تحقيق الإجماع العربي عليها، وجعلها قابلة للحياة من خلال المشاورات التي نيط بالأمين العام للجامعة العربية إجراؤها في بيروت وعواصم التأثير الإقليمي في الأزمة اللبنانية. ويشير هؤلاء إلى أن موسى وضع بنفسه الصيغة النهائية للبنود الثلاثة في اجتماع وزراء خارجية مصر والسعودية وسوريا وعمان وقطر بعدما حمل إليهم الأخير موافقة الرئيس السوري بشار الأسد على التوازن المقترح في الحكومة الجديدة (لا ترجيح ولا استئثار). وبدا هذا الغموض موقفاً سياسياً أكثر منه هدفاً في ذاته لأسباب شتى:
أولها، معرفة الوزراء العرب، رغم استعجالهم الحل، أن المبادرة ستصطدم بتحفظات لبنانية تتصل بصراع الأفرقاء على السلطة. وثانيها، أنها تمثل اختبار نيات لبداية حوار سعودي ـــــ سوري ما دام وزيراهما أيدا البند الثاني بلا تحفظ، ولم ينفرا من فكرة تطبيع علاقات البلدين، وإن كان لكل منهما أولوية مختلفة في سبل تحقيقه. وثالثها، التيقن من إمكان جعل المبادرة بوابة حل للأزمة اللبنانية، وفي الوقت نفسه تمهيد الطريق نحو عقد القمة العربية الدورية في دمشق نهاية آذار المقبل.
ورابعها، فتح باب التسوية السياسية أمام اللبنانيين من خلال المبادئ التي رسمتها المبادرة. والأصح أن العقدة الفعلية للأزمة تكمن في البند الثاني حصراً. ولذا، تقول المصادر الدبلوماسية المعنية، قدمت المبادرة مخرجاً يتطلب آلية يقرّرها اللبنانيون بأنفسهم، ولا تقدّم هي الآلية. إذ يتعيّن على اللبنانيين عندئذ أن يحسبوا توزيع مقاعد الحكومة الجديدة بين حدّي أن لا يكون ثمة استئثار لقوى 14 آذار، ولا تعطيل للمعارضة، وأن تكرّس حصة الرئيس المقبل للجمهورية، قائد الجيش العماد ميشال سليمان، القدرة على الموازنة بين فريقين.
لم يقل الوزراء العرب بحساب 10ـــــ 10ـــــ10، ولا بحساب 14ـــــ10ـــــ 6. وكلاهما وُلد في بيروت، وأفضت القراءة السياسية للحساب الثاني إلى أن الموالاة، القادرة على إسقاط الحكومة الجديدة من خلال استقالة رئيسها المنبثق من الغالبية التي تمثلها قوى 14 آذار، تريد من إصرارها على الثلث المعطل داخل مجلس الوزراء تكريس انتصار سياسي على الفريق الآخر، الأمر الذي حمل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على القول لموسى: إن من العبث الخوض في أرقام من هنا أو هناك. لا اتفاق سياسياً لا يعطي المعارضة الثلث المعطل في الحكومة الجديدة.
أمر كهذا يشير إلى رغبة المعارضة في أن تمتلك بالثلث المعطل سلاحاً موازياً للذي تمتلكه الغالبية، وهو إسقاط الحكومة من خلال استقالة رئيسها.