أنطوان سعد
تضع مصادر مطلعة لها صلات وثيقة بالأوساط الدبلوماسية العربية والغربية تصلّب المعارضة في رفضها كل تسوية لا تشمل اتفاقاً على توزيع الحصص في الحكومة العتيدة في الشكل الذي تطلبه، في إحدى الخانتين التاليتين: إما أن ثقة المعارضة بقائد الجيش العماد ميشال سليمان كمرشح توافقي قد تراجعت، وإما أن سوريا في واقع الأمر لم تبذل حتى الآن جهداً حقيقياً لتسهيل حصول الانتخابات الرئاسية في لبنان لأنه لم تجر مفاوضتها بعد بطريقة جدية بشأن الملفات التي تهمها في الحقيقة.
وفي الحالتين، لن تصل المعارضة ولا سوريا إلى حد إعلان رفضهما انتخاب العماد سليمان لجملة أسباب قد يكون أبرزها عدم رغبتهما في استعدائه وخسارته كقوة حيادية في النزاع على المواقع والحصص الدائر بين الأكثرية والمعارضة. في أي حال، لم تعد تصدر عن مراكز المعارضة الأساسية مواقف تأييد قوية لانتخاب قائد الجيش، بالمقدار نفسه الذي كانت تصدر فيه قبل أن تُقدم الأكثرية في شكل مفاجئ على ترشيحه غداة انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود. فيما يمكن كل مراقب على اتصال بأي مرجعية من مرجعيات المعارضة أن يشعر على الأقل بعدم حماستها لمساندة مسار انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية.
لقد اجتهدت سوريا في الظاهر في التجاوب مع كل المساعي العربية والدولية التي فاتحتها في خصوص مسألة الاستحقاق الرئاسي اللبناني. وأخذت ربما الخطوات المطلوبة منها لناحية الطلب إلى حلفائها السير في عملية انتخاب العماد سليمان، حتى إن حليفها المعلن الوزير السابق سليمان فرنجية زار رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، وأقنعه بإزالة تحفظه حول اشتراط التزام قائد الجيش بالاستقالة بعد الانتخابات النيابية المقبلة في ربيع عام 2009. ولكن دمشق غير قادرة على طلب أي شيء من العماد ميشال عون، ولا يمكنها أن تطلب من حزب الله أن يأخذ قراراً بفك تحالفه مع هذا الأخير والقبول بأن يصبح معزولاً داخل الساحة اللبنانية وبالتالي مستهدفاً من الأطراف المحلية والدولية وعرضة لكل أنواع الضغوط السياسية وربما غير السياسية من أجل تقليم أظافره.
ومع ذلك يُطلب إلى سوريا أن تمارس ضغوطاً حقيقية على حلفائها من أجل السير بالتسوية حتى لو أدى هذا الأمر إلى إضعاف حلفائها في لبنان، أي بكلام آخر تقليص نفوذها فيه طوعاً ومن دون مقابل. فضلاً عن تعرّض مصالحها وعلاقاتها الوثيقة مع الجمهورية الإسلامية في إيران للخطر، التي لن ترضى في أي حال من الأحوال أن يتعرض حزب الله لأي نوع من الاستهداف والاستفراد داخل الساحة اللبنانية.
يبقى السؤال هل من ثمن يحمل سوريا على فرض كل ما في وسعها لإقناع حزب الله بترك العماد عون والسير بالتسوية المتفق على خطوطها العامة؟ وما هو هذا الثمن؟ إذ إن انعقاد القمة العربية في دمشق في آذار المقبل ليس بالتأكيد الثمن الذي يغري سوريا كما ظن بعض الجهات العربية عندما أراد مفاوضة دمشق حول الوضع في لبنان الذي اعتبره كل نظام تعاقب على سوريا أكثر أهمية من أي قضية سورية داخلية.
في إجابتها عن هذين السؤالين، تقول المصادر المطلعة المشار إليها إن الثمن الذي قد يغري السوريين كي يقبلوا الانغماس في هذه المسألة لن يكون أقل من ضمانات أميركية وسعودية متعلقة بموضوع المحكمة ذات الطابع الدولي في لبنان وبمستقبل هضبة الجولان والحدود والعلاقات المستقبلية بين سوريا وإسرائيل. ولا تبدو القيادة السورية من جهتها مستعجلة لاستدراج العروض، فربما يهمها أكثر انتهاء ولاية الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش وانتظار معرفة هوية الشاغل الجديد للبيت الأبيض من أجل التفاهم معه على هذه المواضيع التي تهمها في الحقيقة. وربما مرحلياً لا يمكن الا محاولة إغراء سوريا بالثمن الذي يمكن تقديمه مقابل أي حل مزمع، او اللجوء الى سياسة سحب الذرائع عبر تقديم للمعارضة جزء من مطالبها الأساسية.
وزير مستقل في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، واكب عن كثب المبادرة العربية، يعرب من جهته عن اعتقاده بأن الأزمة الراهنة واستئخار انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية بعيدان عن كونهما مجرد خلاف بين الموالاة والمعارضة على مكاسب ومواقع في الحكومة العتيدة، لأن «المسألة أكبر بكثير وهي في الأساس ليست فقط أزمة بين أطراف محلية. المشكلة هي أن فرقاء المعارضة طلبوا الكثير من قائد الجيش، لقد طلبوا منه ما يفوق قدرته على التحقيق، وعندما تهيّب أمام ما طلبوه منه لعلمه أنها تفوق قدرته فقدوا ثقتهم به».