راس أسطا ـ جوانّا عازار
الانخفاض الطبيعيّ في درجات الحرارة قابله ارتفاع غير طبيعيّ لأسعار المازوت، أبعد الجبيليين عن استخدام المازوت للتدفئة، بعدما ارتفع سعر صفيحة المازوت إلى ما يزيد على 26 ألف ليرة

لا تشذّ منطقة جبيل عن بقية المناطق اللبنانيّة التي تحسب لفصل الشتاء ألف حساب، وزادت هذه الأيام على حساباتها ثمن صفيحة المازوت الذي يشتعل أسبوعاً تلو الآخر.
«غِلي المازوت، البنزين والخبز، ونحنا عم نرخص» صرخة يطلقها أهالي القرى، تختصر واقعاً يسحقهم ويهدّد عيشهم بكرامة. في بلدة راس اسطا التي ترتفع 700 متر عن سطح البحر «الصوبيا» لا تطفأ في البيوت ليلاً ولا نهاراً، وتقول السيّدة نهاد حيدر: «كنّا نعتمد على مادّة المازوت للتدفئة، وفي ظلّ ارتفاعها غير الطبيعيّ، اضطررنا في الآونة الأخيرة إلى الاعتماد على الحطب الذي نبدأ بجمعه منذ فصل الصيف ونتركه لييبس، فهو البديل الذي لا غنى عنه، وخاصّة أنّ لدينا ثلاث صوبيات». وتضيف: «إنّ القرى كراس اسطا يعتمد أهلها بشكل رئيسيّ على الزراعة، وفي ظلّ ارتفاع أسعار المازوت وغلاء المواد الأوليّة وقطع أشجار الأحراج للحصول على الحطب، بتنا أمام حلقة مترابطة تؤثّر على حياة القروييّن بشكل كبير»، حتّى إنّ البعض حسب قولها يقومون بترك قراهم في فصل الشتاء وينزحون إلى المدن الساحليّة هرباً من موجات الصقيع والارتفاع الخياليّ للأسعار، ليعودوا إلى قراهم في نهاية فصل الشتاء، وخاصّة أنّ البرد في القرى يبدأ من شهر تشرين الثاني ويستمرّ إلى شهر نيسان، مسبباً لكثيرين أمراضاً وأوجاعاً مختلفةوتقول هدى (من بلدة شخنايا) إنّ «ارتفاع سعر المازوت يجعلنا كغيرنا نعتمد بشكل رئيسيّ على صوبيا الحطب لتأمين الدفء إلى منازلنا، فالبرد قارس ولا يُحتَمَل، وسعر المازوت المرتفع يلهب جيوبنا».
وتجهّز بعض منازل القرى إضافة إلى «صوبيا» الحطب، بمدافئ كهربائيّة وأخرى تعمل على الغاز، وخاصّة مع وجود الأطفال في العائلات، وفي ظلّ ارتفاع سعر الحطب لشدّة الإقبال عليه.
وتجد السيّدة جاكلين صقر من بلدة بنتاعل الغاز الوسيلة الأفضل للتدفئة في هذه الأيّام قائلة: «ما معنا تنشتري مازوت منشتري غاز»، ففاتورة استخدام الغاز رغم ارتفاع سعره أيضاً تبقى لكثيرين «أرحم» من كلفة المازوت. وأمام هذا الواقع، شهدت محلات بيع الأدوات الكهربائيّة في جبيل والمنطقة إقبالاً كثيفاً هذا العام على شراء المدافئ الكهربائيّة والغاز. ويقول فؤاد القوبا وهو صاحب مؤسّسة تجاريّة في جبيل إنّ الإقبال على شراء المدافئ كبير جدّاً، وقد وصل إلى نسبة مرتفعة مقارنة مع الأعوام السابقة. «لا نبيع سوى مدافئ الغاز والكهرباء» يقول القوبا، «حتّى إنّ معظم الزبائن يشترون المدافئ التي تعمل على الكهرباء والتي تعمل في الوقت عينه على اشتراك الموّلدات الكهربائيّة في ساعات التقنين، ويبلغ سعر الرخيصة منها 20 ألف ليرة، ما يجعلها في متناول الجميع. ورغم أنّ الإقبال على المدافئ التي تعمل على الغاز كبير، إلا أنّ مدافئ الكهرباء تبقى في الطليعة هذا العام». ويضيف القوبا أنّ أكثر الزبائن يسكنون في قرى جبيل دون إغفال آخرين يسكنون الساحل، وهم «من جميع الطبقات الاجتماعيّة لأنّ البرد لا يستثني أحداً».
ويبقى أنّ بعض العائلات الميسورة لا تزال تشتري المازوت رغم ارتفاع سعره المستمرّ، وخاصّة أنّها تستخدمه لجهاز التدفئة المركزيّ في منزلها. إضافة إلى ذلك، يعمد آخرون إلى شراء مكيّفات الهواء البارد والساخن التي يجهّزون بها منازلهم، وخاصّة غرف نومهم بحيث «يستفيدون منها كلّ أيّام السنة دون أن يقتصر استعمالها على فصل الشتاء كالمدافئ».