strong>تثير التحقيقات في الانفجارات التي تضرب لبنان تساؤلات لدى الكثيرين عمّا يجري من تحقيقات، وكيفية عمل الأجهزة المختصة لناحية التقنيات والأجهزة المستخدمة في المختبرات الجنائية، والجهة المسؤولة عن هذه التحقيقات وسير عملها. الشرطة القضائية تسعى لتطوير قدراتها لكنها تواجه عقبات. ما هي هذه العقبات؟
تتولى الضابطة العدلية مسؤولية التحقيق في الجرائم التي تمس أمن الدولة تحت إشراف النائب العام لدى محكمة التمييز، ويقوم بوظائفها النواب والمحامون العامون. ومن بين الذين يساعدون النيابة العامة ويعملون تحت إشرافها في إجراء وظائف الضابطة العدلية، المدير العام لقوى الأمن الداخلي وضباطها والشرطة القضائية.
تضم الشرطة القضائية العديد من الأقسام ومن بينها قسم المباحث العلمية ووظيفته الكشف على مسرح الجريمة ورفع الأدلة والبصمات. ورغم تطور تجهيزات العلوم الجنائية المستعملة في الكشف على الجرائم وتحليل آثارها وأدلتها نتيجة التطور العلمي الذي سهّل العمل الجنائي، ورغم أن هذا القسم نجح في المساعدة على كشف العديد من الجرائم، فإنه يعاني نقصاً في التجهيز عديداً وعتاداً وكفاءات. وسبب النقص يعود إلى تركيز التطوير والإنفاق في الفترة الأخيرة على فرع المعلومات التابع لهيئة الأركان، فضلاً عن الروتين الإداري في المديرية العامة لقوى الأمن وفي وزارة الداخلية ومجلس الوزراء، الذي لا يشكل عقبة أمام تطور القسم وحده، بل عقبة أمام تطوّر الشرطة القضائية بأسرها.
يترأس قسم المباحث العلمية ضابط برتبة عميد تابع مباشرة لقيادة الشرطة القضائية الموجودة في ثكنة المقر العام في قوى الأمن الداخلي، وفي المقرّ العام يلاحظ أن مبنى فرع المعلومات الذي يترأسه ضابط برتبة مقدّم، مجهز أكثر بأضعاف من مبنى وحدة الشرطة القضائية التي يقودها عميد يشغل منصب المدير العام لقوى الأمن الداخلي بالوكالة (بحسب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء).
أما قسم المباحث العلمية فهو يتألف من عدة مكاتب متخصصة تعمل كلها لمصلحة قطعات قوى الأمن الداخلي، وتنفذ مهمات الضابطة العدلية والقضاء والاجهزة الامنية على اختلافها، وهي مكتب الحوادث، مكتب التحقق من الهوية، مكتب الأعتدة واللوازم الخاصة ومكتب المختبرات الجنائية. ويرتبط تطوير العمل الفني في القسم، على مستوى مسرح الجريمة، بتطوير المختبرات، لأن المعلومات والتحقيقات التي تتوافر لدى المحقق من خلال المختبر أساسية لكشف الفاعل، وبالتالي فإنها مساعدة ومكملة للعمل الفني في مسرح الجريمة، ومن هنا ضرورة التنسيق بين القطاعات كافة في ما يختص بالمعلومات عبر ربط قصور العدل ومكاتب الحوادث ومختلف القطاعات بعضها ببعض.
يواجه قسم المباحث العلمية، رغم المبالغ التي تصرف على قوى الأمن، ضعفاً في التجهيزات المستخدمة لديه، فالنظام الحاسوبي المستخدم فيه يعود لعام 1995، وهو نظام بطيء لا يوفر السرعة المطلوبة لتسريع سير عملية التحقيق. أما في ما يتعلق بالمحققين، فقد خصص لجبل لبنان بأكمله فريق عمل مؤلف من 12 محقّقاً فقط مركزهم في عاريا. وهناك أيضاً 16 محققاً بينهم خبيرا متفجرات. فضلاً عن ذلك، ليس لدى القسم سيارة مجهّزة لنقل المتفجرات، ولا مستودع للأدلة الجنائية.
في ما يخص عملية تصوير الأدلة أو مسرح الجريمة فقسم المباحث العلمية مجهّز فقط بالكاميرات الميكانيكية لا الرقمية الحديثة، إذ لم تتم الموافقة بعد على تجهيز الشرطة القضائية بتجهيزات التصوير الرقمي، الذي فضلاً عن أنه يعطي صورة أوضح، هو أوفر من الناحية المادية. لكن ضباط الشرطة القضائية يستخدمون التصوير الرقمي من خلال شراء المعدات اللازمة من خارج الميزانية الرسمية. وهذا ما يحصل في العديد من المناسبات بحيث يعوق الروتين الاداري تحويل الأموال اللازمة لشراء المعدات الضرورية، إذ يجري الاتصال بالمدير العام لقوى الأمن اللواء أشرف ريفي الذي يأمر بتحويل الأموال الضرورية من خارج الميزانية المخصصة للقسم وذلك في الاحوال الطارئة، كما حصل ذلك في المختبرات الجنائية التابعة للمباحث العلمية عندما سُجّل نقص في المعدات والسوائل الكيميائية.
من ناحية أخرى، فإن المعرفة العلمية لدى المدّعين العامين المشرفين على التحقيقات الجنائية هي دون المستوى الذي يمكّنهم من إدارة التحقيقات بحسب المعايير المهنية الدولية. كما أن هناك تجاوزات للمعايير المهنية في ما يختص بتحديد مسرح الجريمة وعملية تنظيم الدخول إليه وإخراج العيّنات منه، فالمكلف خطياً فقط يفترض السماح له بالدخول الى مسرح الجريمة، ويفترض أن يعاقب كل من يخالف ذلك من العسكريين وغير العسكريين. فضلاً عن ذلك، هناك غياب للتنظيم والتنسيق الكافي بين القطاعات بسبب عدم وجود شبكة اتصالات مغلقة وفعّالة بين الوحدات. فالنظام المعتمد حالياً يعاني مشاكل تقنية عديدة.
ولو توافرت إمكانية التصوير الجوي لدراسة تحركات الأشخاص والسيارات بعد التفجير لأسهم ذلك أيضاً بتوفير معطيات تعطي فرصة أكبر في اكتشاف مرتكبي التفجيرات. كما يفترض ضبط الحدود أو على الأقل تصوير كل من يدخل وأخذ بصماتهم، وبذلك يمكن حصر الموجودين لأن التدقيق في البطاقة أو جواز السفر لن يوصل الى نتيجة بسبب تقنيات التزوير المتطوّرة التي يستخدمها الجناة.
يتعيّن على قسم المباحث العلمية رفع الأثر وتحليله ودراسته، مما قد يؤدي الى اكتشاف هوية الجناة والطريقة المستعملة في ارتكاب الجريمة بالإضافة الى معرفة هوية الجثث والأشلاء البشرية وغيرها من البصمات والأثر المادي الذي يجمع من مسرح الجريمة. هذا كله يبرز ضرورة الاهتمام بتطوير تقنيات رفع البصمات وتجهيز المختبرات المختصة بهذا الشأن، رغم ذلك فإن تقنية أخذ البصمة في مكتب التحقق من الهوية بقيت يدوية منذ سنة 1939 وحتى 1997، فلبنان من أول البلدان العربية التي طوّرت نظاماً للبصمات لكنه اليوم من أقلّها تطوّراً في هذا المجال، فدولة الإمارات العربية المتحدة زوّدت أجهزة التحقيق لديها بنظام جديد للبصمات قبل عام، لكنها قامت منذ مدة قصيرة بتحديثه من الناحية التقنية من أجل تسريع العمل بدقة أكبر. تجدر الإشارة إلى أن مكتب التحقق من الهوية الموجود في ثكنة الحلو، يضم بين 360 ألف بصمة و500 ألف فقط. وتجدر الإشارة إلى أن النظام المعتمد في لبنان يعطي نتائج بدقة لا تتجاوز في أحسن حالاتها نسبة 87%، فيما إذا اعتمد نظام حديث فستفوق الدقة 95%.
إن عملية جمع الأدلة من مسرح الجريمة لا يمكنها أن تساعد وحدها على كشف الجناة لكن إذا تمّ الجمع بين عمل المباحث العلمية في الشرطة القضائية والمعلومات التي يمكن الحصول عليها عبر خرق الشبكات الإرهابية، يفترض حصول تقدّم لافت في التحقيقات الجنائية وبالتالي توقيف المجرمين وتوفير الأمن.
(الأخبار)