149; برّي يرجئ جلسـة انتخاب رئيس الجمهوريّة إلى 11 شباط لاستكمال الحوار
باستثناء اللقاء الرباعي الذي لم يؤدّ إلى أي نتائج، غادر الأمين العام للجامعة العربية بيروت من دون تحقيق أي إنجاز فعليّ يضع الأزمة على سكة الحل، فيما أرجئت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية للمرة الثالثة عشرة

غادر الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى بيروت من دون أن يحدّد موعداً جديداً لعودته، معلناً بأسلوب غير مباشر سقوط ما حمّله إياه العرب من طروحات وخطط ضبابية غير واضحة المعالم. إلا أن الأمل يبقى معلّقاً على ما أعلنه موسى عن إمكان عقد جلسات تشاور بين الموالاة والمعارضة اللتين استطاع جمعهما خلال الأسبوع الماضي.
وعلى الرغم من هذه النظرة التفاؤلية، لا يبدو من الأجواء التي ينقلها المقرّبون من ممثلي المعارضة، أنّ استكمال المحادثات بين الطرفين يمكن أن ينتج أي اتفاق يحلحل الوضع، ما دامت التنازلات غير واردة والدعم العربي دخل في الاصطفافات، فضلاً عن أن النيّات غير صافية من جانب الطرفين. وقد أضيف إلى هذه الأمور التوتر الذي شهدته الساحة اللبنانية في العراك السياسي الذي جرى بين رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري ورئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون على خلفية إبراز الأخير الوثيقة المتعلّقة بالتوطين، ويضاف إلى ذلك التشنّج الذي ساد الساحة المسيحية على خلفية موقف بعض قوى المعارضة من بكركي.
وقال أحد المقرّبين من موسى إن «الاجتماع الأخير فشل قبل أن يبدأ»، لافتاً إلى أنّ انسحاب موسى من بيروت لم يكن نتيجة شعوره بالإحباط من الحال اللبنانية، «فهو لا ييأس بهذه السهولة، كما أن هناك مشكلات في بلدان عربية أخرى». وفي ما يخص الجلسة الأخيرة التي عقدها مندوبو موسى وعون والحريري والرئيس أمين الجميّل، رأى المصدر أنها لم تكن ذات فائدة. فالمواقف التي تناقلها المجتمعون هي نفسها، فيما لم يناقشوا سوى مسألة تقسيم الحقائب الوزارية من دون التطرّق إلى بند قانون الانتخاب في المبادرة.
وعما إذا كانت مغادرة موسى بيروت بمثابة فشل غير معلن للمبادرة العربية، أكد المصدر أنّ الخطوة العربية مستمرة «ولو من دون متابعة مباشرة»، مشدداً على أنّ حلّ الأزمة اللبنانية سيتحقّق مع توحيد الخط العربي وتضامنه، «عند صفاء الأجواء بين كل من سوريا والسعودية». وإلى حين تحقيق هذا الصفاء، رأى المصدر أنّ الأزمة اللبنانية ستطول حتى آذار المقبل موعد انعقاد القمة العربية.

مواقف ضبابية للموالاة

من جهته، حمّل أحد قادة «14 آذار»، العماد عون مسؤولية تراجع الوضع السياسي، لافتاً إلى أنّ توقيت إظهاره الوثيقة، إذا لم تكن مزوّرة «غير بريء، وهو يسعى من خلالها إلى تدمير أي حوار يمكن بناؤه بين المعارضة والموالاة». وأكّد المسؤول الأكثري أنّ نيّة قوى السلطة في متابعة اللقاءات الحوارية مع المعارضة موجودة، «إلا أنه من الصعب استخلاص نتائج إيجابية».
وأشار إلى أن الاجتماع الأخير الذي ضمّ كلّاً من مدير مكتب موسى السفير هشام يوسف والمستشار في الجامعة طلال الأمين، سليم الصايغ ممثلاً الرئيس أمين الجميل، جبران باسيل ممثلاً العماد عون وهاني حمود ممثلاً النائب الحريري وذلك في إطار متابعة البحث الذي كان قد بدأه الاجتماع الرباعي من أجل تنفيذ المبادرة العربية، لم يحقق أي أمر إضافي، فقد «جاءت الوعكة الصحية لعون مبرراً للهروب من الاجتماع»، لافتاً إلى أنّ المحادثات لم تتخطّ مناقشة البند الثاني من المبادرة، «ولم يخرج المجتمعون بأي جديد».
بدوره، قال مصدر في «التيار الوطني الحر» إن الصايغ وحمّود اكتفيا في الاجتماع بالاستماع «من دون أن يكون لهما أي طرح أو موقف» على طروحات باسيل، مشيراً إلى أن الأخير أعاد خلال اللقاء طرح قضايا الثلث الضامن والضمانات والقانون الانتخابي، فيما لم يتحدث المندوبان الآخران إلا بضبابية عن قانون الانتخاب، إذ «إنهما غير مكلّفين التحدث بالبنود الأخرى كما قالا أثناء الاجتماع».
وفي ما يخص متابعة اللقاءات مع السلطة، رأت مصادر «التيار الوطني الحرّ» أنّ الأمور لم تعد إيجابية كما ظهرت خلال اللقاء الرباعي الأسبوع الماضي، فـ«اللقاء مستبعد في ظل غياب موسى، والفريق الآخر يعوّل كثيراً على اجتماعات عربية خلال الأسابيع المقبلة» بهدف وضع المعارضة تحت المزيد من الضغوط، ناعياً المبادرة العربية.
ووسط هذه الأجواء ،أعلنت الأمانة العامة للمجلس النيابي تأجيل الجلسة التي كانت مقررة اليوم لانتخاب رئيس الجمهورية إلى ظهر الإثنين في 11 شباط المقبل، وهذا التأجيل هو الثالث عشر. وقال بري في بيان «إن الأطراف قد بدأت حواراً جدياً في سبيل الوصول إلى توافق على المبادرة العربية، ومن المؤكد أن المساعي التي بدأها الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى ستستمر، توصلاً إلى حل الإشكالات على المواضيع المطروحة التي دار النقاش بشأنها في اجتماع الخميس في 17 كانون الثاني الجاري في مجلس النواب».
وأوضح أن إرجاء الجلسة «هو من أجل استكمال هذا الحوار توصلاً إلى النتائج المرجوة»، مؤكداً «أنه إذا جرى التوافق قبل هذا التاريخ فمن البديهي أن يقدم موعد الجلسة».
وكان موسى قد استأنف لقاءاته في بيروت بعد عودته بأجواء إيجابية، حسب تأكيده، من سوريا، التي زارها أول من أمس للمشاركة في احتفال إعلان دمشق عاصمة الثقافة العربية لعام 2008 حيث التقى الرئيس بشار الأسد ونائبه فاروق الشرع ووزير الخارجية وليد المعلم.
وزار موسى، أمس، الرئيس بري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وبعد اللقاءين أعلن موسى أنه سيغادر بيروت، مشيراً إلى أن «مجلس الوزراء العرب سينعقد في 27 الجاري في مقر الجامعة في القاهرة»، محذراً من أن «الوقت قصير، ولذلك يجب علينا أن نتحرك بسرعة للوصول إلى توافق وانتخاب الرئيس». وأكد أن التفسير الرسمي لمبادرة الجامعة «هو الذي قلته أنا. أما تفسير الرئيس بري فهو خاص به، ونحن نحترم رأيه، وهناك رأي آخر يجب أن يحترم، وفي ما بينهما يجب أن تجري المبادرة العربية».
ورداً على سؤال، قال: «لا غالب ولا مغلوب هو المبدأ العام، وهذا المبدأ تفاصيله ماذا؟ أنا فسرت المبادرة وهو تفسير رسمي لا رجعة فيه ولا مراجعة، لا الأغلبية تأخذ النصف الزائد واحداً، ولا المعارضة تأخذ الثلث الزائد واحداً، وبعد ذلك هناك طروحات يمكن وضعها على الطاولة لبحثها، وهذا ما حصل في الاجتماع الرباعي»، مؤكداً أن المبادرة لم تصل إلى حائط مسدود، ولكن ربما وصلت إلى باب يمكن فتحه».
وعما إذا كان السوري قد طرح مبدأ المثالثة، أكد أن «هذا الموقف مطروح من المعارضة ومن بعض الدوائر المعنية بهذه المشكلة».
وقبيل مغادرته إلى القاهرة مساء، التقى موسى النائب الحريري وعرض معه نتائج الاتصالات التي أجراها بشأن تنفيذ المبادرة العربية. وفي المطار أوضح موسى «أننا لن نتوقف عن العمل من زاوية اتصالات عربية إضافية واتصالات مع الزعماء والسياسيين اللبنانيين» مؤكداً أن «العقبات كثيرة والوضع معقد» لكن «الأمل غير مفقود».

تبادل الاتّهامات بإفشال المبادرة

وتبادلت الموالاة والمعارضة الاتهامات بإفشال المبادرة، واتهم وزير الاتصالات مروان حمادة الرئيس بري بنعيها «في مرحلتها الحاضرة»، ورأى «أن الشروط السورية لم تتغير، وأن سوريا وضعت يداً في يد العرب في القاهرة وسحبت يدها الأخرى في بيروت»، مشيراً إلى أن مهمة موسى في دمشق قد فشلت.
ورد النائب علي حسن خليل على الوزير حمادة، وقال خلال تمثيله الرئيس بري في مهرجان أقيم في النبطية إثر مسيرة عاشورائية: «إن من نعى المبادرة هو الذي رفضها منذ اللحظة الأولى قبل أن تعلن في الجامعة العربية، عندما وقف ليقول إن النص يعطي للمعارضة حقاً لا نريد أن نعطيها إياه، وبقي النقاش أكثر من ساعة حتى وعدوا بتفسير مغلوط لقواعد اللغة ولكل القواعد السياسية والدستورية».
وأكد خليل «أن حركة «أمل» والمعارضة مع المبادرة العربية ومع تفسيرها العربي الصحيح».
من جهته، رأى النائب حسن فضل الله «أن أي تفسير يعطى للمبادرة العربية خلافاً للنص العربي الواضح الذي كتبه وزراء الخارجية العرب، يعني محاولة تغيير في هذه المبادرة، وبالتالي يضعنا أمام صيغة جديدة وبالتالي مبادرة جديدة»، مشيراً إلى أن ما قدمه موسى من تفسير للنص العربي هو ما يطرحه فريق الموالاة».
في هذه الأثناء، برز موقف لافت لرئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع، سخر فيه من صلاحيات رئيس الجمهورية، وسأل: «ألا نستطيع العيش اليوم إلا مع رئيس جمهورية يملك كل الصلاحيات ويتحكم برقاب الناس ويصدر كل القرارات؟». وقال خلال مأدبة في دارة النائب السابق الدكتور فارس سعيد في قرطبا: «ألم نعد نرضى إلا أن يكون رئيس الجمهورية ديكتاتوراً حتى نبقى متجذرين في هذه الأرض؟»، منتقداً «الذين يطالبون باستعادة هذه الصلاحيات».
في غضون ذلك، أعلن السفير الأميركي في لبنان جيفري فيلتمان خلال مأدبة عشاء أقامها على شرفه، أول من أمس، وزير الدولة لشؤون مجلس النواب ميشال فرعون في دارته في سن الفيل، لمناسبة مغادرته لبنان، أن «الأجندة» التي تتّبعها بلاده هي «الأجندة» التي وصفها اللبنانيون وأسف «لاستمرار الفراغ في الرئاسة، والإرهاب الذي يطاول لبنان شعباً ومؤسسات، ما يستدعي تضافر جهود المحافل العربية والدولية».
على صعيد آخر، دخل الوزير السابق فريد هيكل الخازن على خط ترطيب الأجواء بين البطريرك الماروني نصر الله صفير ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي زاره الخازن في بنشعي، ثم انتقل إلى بكركي حيث وضع صفير في أجواء الزيارة. وأكد الخازن «أن الأمور تسير إيجاباً، ومواقف البطريركية الأخيرة كانت حكيمة».
من جهته، شكر صفير خلال عظة الأحد جميع الذين أعربوا عن تضامنهم معه «أمام الحملة المتجنية التي تعرضنا لها»، وخص بالشكر رئيس الحكومة فؤاد السنيورة.

لقاء تضامني مع الفلسطينيّين

في مجال آخر، عقد أمس لقاء ضم حوالى 200 من الشخصيات وممثلي الأحزاب والقوى والفصائل والهيئات اللبنانية والفلسطينية تحت شعار «وقف العدوان والمجازر والحصار على أهلنا في فلسطين لا يتم إلا بوقف كل أشكال التفاوض والاتصال والتطبيع مع العدو الصهيوني»، وذلك بدعوة من «الحملة الأهلية لنصرة فلسطين والعراق».
وأصدر المجتمعون مشروع «إعلان بيروت لنصرة الشعب الفلسطيني» تلاه منسّق الحملة معن بشور، أكد أن «ما يعيشه اليوم قطاع غزة وعموم الأراضي الفلسطينية المحتلة من مجازر دموية، وحصار جائر، واعتقالات متصاعدة لا يمكن فصلها عن نتائج زيارة الرئيس بوش للمنطقة، وقبلها مؤتمر أنابوليس». ورأى أن المآسي والكوارث والجرائم التي تواجه الشعب الفلسطيني تتطلب «الشروع فوراً بحوار فلسطيني ــ فلسطيني».