strong>ثائر غندور
• اللقاء بين الطرفين غير وارد حالياً والأولويّة لتمتين الهدنة

لم تكن العلاقة بين رئيس تيّار المردة الوزير سليمان فرنجيّة والبطريرك الماروني نصر الله صفير علاقة «سمن وعسل»، لكنّها لم تصل إلى هذا المستوى من التدهور والتوتر إلاّ أخيراً. ويبدو أن هذا الوضع سيستمر فترة غير محددة

الحديث عن العلاقة مع بكركي غير مرغوب به في بنشعي. فتيّار المردة يريد أن يلتزم الهدنة مع سيد الصرح، وإن كان لم يحصل على تعهّدات من البطريرك الماروني نصر الله صفير تجاهه. المشكلة بين البطريرك وسليمان فرنجيّة ليست جديدة، وتعود تراكماتها إلى سنوات، لكن كلام صفير عن أن لا أصدقاء لسوريا في لبنان بل عملاء كان قاسياً جداً على فرنجيّة الذي رأى فيه إهانة شخصيّة، مما استدعى هذا النوع من الردّ. ويقول عناصر من تيار المردة إنهم يشعرون «أن بكركي تناصر الفريق الآخر ضدّنا». وأبلغ فرنجيّة الوسطاء أن الأمر كان يُمكن أن يمرّ دون ردّ لو أن صفير قال: «بعض أصدقاء سوريا عملاء»، ولم يشمل الجميع.
في المقابل، قال صفير لأحد الوسطاء بين الطرفين إنه لم يكن يقصد فرنجيّة، وعلى كل حال لم يكن الأمر يستحق هذا الهجوم. وأكّد صفير أنه لا يقصد التجريح بأحد، والمهم بالنسبة إليه أن يبقى المسيحيون موحّدين حول بكركي. لكن البطريرك شعر بالإهانة، «رغم أنّه لا يحقد على أحد، لكن الكلام كان قاسياً»، كما يقول أحد المطارنة.
ويتمنى الوسطاء بين بكركي وبنشعي أن تُحلّ الأزمة قريباً، لكن المعطيات لا تنبئ بالخير. فاللقاء بين الطرفين غير وارد حالياً، ولا الاتصال الهاتفي. ويقول أحد المتطوعين للتوسّط إن الأولوية هي لتمتين «وقف الحرب الكلامية وليس لعقد أي لقاء»، لكنه، مثل غيره، يؤكد استمرار الوساطات لعقد اللقاء لاحقاً.
ويقول المطران بولس مطر إن الكلام الذي قاله فرنجيّة بحق صفير غير مقبول، ويلخّص الهاجس الأساسي للمطارنة وسيد الصرح بـ«عدم تحوّل بكركي إلى ساحة للصراع السياسي». وعلى هذا الأساس أقفلت أبواب الصرح ثلاثة أيام أمام تظاهرات الدعم. وينفي مطر علمه باتهام صفير لحلفاء سوريا بأنهم عملاء.
بدوره، يقرأ المنسق العام لجبهة الحرية الدكتور فؤاد أبو ناضر الموضوع بطريقة أخرى. يرفض أن يتهجّم أحد على بكركي، «مهما كان هناك من ملاحظات على سيد بكركي، لأن المسيحيين يمرّون بمرحلة خطيرة، ويجب أن يكونوا موحّدين أكثر من أي وقت آخر». ويضيف أن بكركي «أمّنت الغطاء والملاذ للذين كانوا يطالبون بالحريّة والسيادة والاستقلال». بكركي قامت بواجبها على أكمل وجه خلال خمسة عشر عاماً من الهيمنة السوريّة». ويعتقد بأن أي نقد للبطريرك يجب أن يُقال «بين الجدران لا على صفحات الجرائد».
كما يشدّد أبو ناضر على إيمان فرنجيّة. فهو «مسيحي وماروني في الصميم، وتهمّه مصلحة المسيحيين في لبنان والشرق». ويستذكر دوره خلال الوجود السوري، إذ إن فرنجيّة «لم يستخدم علاقته ليستبد وينتقم من القوّات اللبنانيّة والكتائب، لا بل هو توكّل بإخراج بعض الشباب، الذين ذُكرت أسماؤهم في مجزرة إهدن، من السجن وحمايتهم». ولذلك يرى أبو ناضر أن على الكنيسة معرفة السبب وراء كلام فرنجيّة ومعالجته بصمت، «لأن هناك تراكمات كثيرة، وهو يشعر أن الكنيسة لا تسمع لهلكن المطران مطر ينفي انقطاع التواصل مع فرنجيّة، «فهو على تواصل مع المطران سمير مظلوم الذي هو نائب البطريرك، وراعي أبرشيّة زغرتا، وعلاقته بفرنجيّة جيدة».
«المشكلة بين بكركي وبنشعي ستحلّ، لأنه لا يوجد أي شيء ثابت في السياسية»، يقول أحد العاملين على الوساطة بين الطرفين. ويستذكر هذا السياسي مشاكل مشابهة، وأكثر حدّة. فالبطريرك اختلف في عام 1989 مع رئيس الحكومة العسكريّة حينها العماد ميشال عون على خلفيّة اتفاق الطائف (البطريرك وافق عليه وعون رفضه)، وجرى التطاول على البطريرك في مقره في بكركي، مما اضّطره إلى مغادرته إلى مقره الصيفي في الديمان. لكن العلاقة أصبحت جيّدة اليوم مع عون، بحسب ما يقول المطران مطر. ويضيف أن النقاش بينهما نظري يحتاج إلى قراءات هادئة، إذ إن عون يعترف بدور بكركي الوطني، لكنّهما، وبحسب مطر، يختلفان على وصف هذا الدور الذي لا يريد له عون أن يتحوّل إلى سلطة موازية.
وفي عودة إلى تاريخ العلاقة بين البطريركيّة المارونيّة والزعماء السياسيين للمسيحيين، لا بدّ من تذكر الخلاف الشديد عام 1958 بين البطريرك بولس المعوشي ورئيس الجمهورية حينها كميل شمعون، لأن بكركي عارضت إدخال لبنان في سياسة الأحلاف خوفاً من الانقسامات بين اللبنانيين. فالبطريرك المعوشي كان يتّخذ مواقف سياسية علنية ويقف طرفاً. وعام 1958 اتخذ موقفاً ضدّ شمعون وعُدّ بسبب ذلك بطريرك المسلمين، ثمّ اتخذ موقفاً ضدّ الرئيس فؤاد شهاب وممارسات المكتب الثاني.
وعند بداية الحرب عام 1975، سعت بكركي إلى التواصل والقواسم المشتركة بين اللبنانيين، وحصل الطلاق مع «الواقع» حين رفضت بكركي المقاومة ضدّ الفلسطينيين، وتوترت العلاقة بين البطريرك خريش وقوات حزب الكتائب بقيادة بشير الجميل بعد العمليتين المأساويتين في إهدن عام 1978 والصفرا عام 1980. وبعد استفحال الخلاف بين الكنيسة كمؤسسة والمسيحيين، اضطر الفاتيكان للتدخّل، فعيّن مدبّراً رسولياً عاماً هو المطران إبراهيم الحلو (عام 1986) لإعادة العصب إلى الكرسي البطريركي الذي شهد موقعه تدهوراً بسبب تقدّم البطريرك خريش في السّن.
فما أشبه ما حصل حينها بدور السفير البابوي لويجي غاتي في هذه الفترة، إذ إن تدخّله لعب دوراً مهماً في وقف التظاهرات المؤيّدة لصفير، التي كان فرنجيّة سيردّ عليها بالتظاهر والمطالبة بإقالة صفير.

اعتذار
البطريرك


استطاع سليمان فرنجيّة أن يثبت أن علاقته بقواعد تيّاره قويّة. فخلال اصطدامه الأخير مع الكنيسة المارونيّة، صعّد لهجته، وبقي جمهوره ملتفاً حوله، وهو ما أحدث صدمةً إيجابيّة لدى عدد من المسؤولين في تيّار المردة. ومن المعروف عن سكّان زغرتا تعلّقهم بكنيستهم والتزامهم ممارسة الشعائر الدينيّة. لكنّها ليست المرّة الأولى التي يهدّد فيها فرنجية بالتظاهر ضدّ بكركي، إذ ذهبت سيدات المردة في 21 كانون الأول من عام 2006 إلى صفير، وأعربن له عن عتبهن على ما تخللته عظته عن خيم الاعتصام والموضوع الأخلاقي، فردّ صفير بكلمة قال فيها: «قلنا ما قلناه لأننا عرفنا أموراً نحن حريصون عليها، مثلكن، شديد الحرص، ونعتذر إذا ما كنا قد أسأنا إليكن».