strong>مهدي السيّد
لم تجد الصحف العبرية سوى استخدام العبارات النابية للتعليق بها على كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الذي بدا واضحاً أنه مسّ جبروت السلطة في إسرائيل وكشف عجزها لجهة ترك جنودها أشلاءً في أرض المعركة

رغم السخط الشديد الذي أثاره كلام السيد حسن نصر الله في أوساط المعلقين الإسرائيليين، إلا أن ثمّة نقطتين أجمع عليهما هؤلاء، وهما صدقية السيد وصحة كلامه من جهة، والإرباك الإسرائيلي في مواجهة التحدي الذي يضعه أمام المستويين العسكري والسياسي في إسرائيل، وهو ما دفع الكثير من المعلقين إلى البحث عن اعتبارات تحكم تصريحات الأمين العام لحزب الله، لها علاقة بالحسابات الداخلية للخلاف السياسي في لبنان، وبعدم التجاوب الإسرائيلي مع شروطه لإتمام صفقة لتبادل الأسرى.
وعبّرت ارئيله هوفمان، في «يديعوت أحرونوت»، عن الشعور بـ«اليأس والعوز» للحديث مع «هذا الرجل، حسن نصرالله» الذي وصفته بأنه «تاجر الدماء، وسمسار الجثث الأبدي»، ليس فقط بشأن «إدارة التفاوض لإعادة الأسرى، ولا في بحث إعادة أجزاء الجثث لتدفن في اسرائيل فحسب، بل أن نستمر في محادثته في الغد وبعد غدٍ وأشهر وسنين».
ويتفاقم هذا الشعور باليأس في ظل تأكيد هوفمان أنه «تجنباً لأي سوء فهم، فحسن نصر الله لا يكذب في هذه المرة أيضاً». وأضافت «يمكن أيضاً أن نقدّر أن نصر الله ــــــ وهو عالم بحساسية المجتمع الإسرائيلي ــــــ يتوقع الحصول على ثمن مرتفع. بل يمكن أن نتفق على أن هذا الثمن هو جزء لا ينفصل من فظائع الحرب».
ومع ذلك، تشير هوفمان إلى أن «نصر الله لا يزال في إطار قواعد اللعب في الشرق الأوسط أيضاً، التي صيغت هنا في عشرات السنين الأخيرة»، بيد أن الميزة تكمن، برأيها، في أن «نصر الله لاعب بغيض بشكل خاص، ليس لأنه لا يتخلى عن إيمانه، ولا لأنه عنيد في محاربته إيّانا، ولا بسبب الاستعمال الهازئ والمسرف لحياة الإنسان، حياته وحياة الآخرين أيضاً، بل بسبب تعجرفه هذا».
وتُضيف هوفمان إلى قاموسها الخاص بنصر الله كونه «ذكياً شريراً، وهو الرجل المنفّر الذي لن ينقذ أحداً، ولن يقود أحداً الى شاطئ الأمان»، لكنه في المقابل «يستمر في وضع تحديات صعبة أمامنا، ويرفع في كل مرة من جديد السقف الى أعلى قليلاً. وهو سيفعل ذلك بالمجتمع الإسرائيلي عموماً وعائلات القتلى خصوصاً. سيتحدث اليهم من فوق رؤوس المؤسسة الأمنية، وسيزرع الخوف والأسف عند أولئك الذين يعلمون والذين لا يعلمون». وترى هوفمان هذا التحدي «صعباً لمتخذي القرارات أيضاً، ويبدو أنه سيستمر في المفاجأة، وفي نهاية الأمر لا يمكن أن يُملي هذا الشخص نهج حياتنا».
وفي السياق، قال المراسل السياسي لصحيفة «معاريف»، بن كسبيت، إنهم «يعلمون في اسرائيل أن حسن نصر الله لا يكذب عندما يقول، ويكرر القول إنه يملك أجزاء جثث. ويعلم نصر الله أن اسرائيل عالمةٌ بأن لديه أجزاء جثث لضحايا إسرائيليين كما يبدو». ويتساءل عن السبب الذي دفع بنصر الله لأن «يثور من ملجئه مرتين في غضون أيام معدودة، ويلوّح بأجزاء الجثث هذه؟».
الجواب، برأي كسبيت، يكمن في أن نصر الله، «معنيٌّ بإدخال هذا الذخر الجديد في المعادلة إزاء اسرائيل، ويقدّر أن إسرائيل خلصت إلى استنتاج، وإن لم تكن قد استجمعت من الشجاعة لتعترف به اعترافاً معلناً، بأن الجنديين الأسيرين الداد ريغيف واودي غولدفاسر ليسا على قيد الحياة».
وبحسب كسبيت، فإن الأنباء السيئة بالنسبة إلى نصر الله هي أن اسرائيل لا تنوي البتة أن تفاوضة على أجزاء الجثث. ومع ذلك، فالسؤال هو «كيف نتصرف الآن؟ هل ندعو العائلات ونبلغها وندخلها في المعادلة، أم نتمسك بالسياسة القائمة والسائدة وفحواها أن لا تفاوض بشأن أجزاء الجثث؟».
بدوره، رأى معلق الشؤون الأمنية في «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، أن نصر الله رفع ورقة أشلاء الجثث رغبة منه في تحقيق نجاح يُرمّم به مكانته في لبنان، إضافة الى محاولته استخدام هذه الورقة من أجل تحريض العائلات الثكلى الإسرائيلية كي تمارس الضغط على الحكومة لتخضع لمطالبه. وأضاف إن نصر الله يفعل ذلك لأنه «مضغوط ولأنه يسمع ويرى اقتراب التوصل الى صفقة مع حماس للإفراج عن جلعاد شاليط، الأمر الذي سيرغمه على تقديم توضيحات لعائلات الأسرى اللبنانيين الذين تتعرقل عملية الإفراج عنهم بسبب عناده».
ويتابع بن يشاي تعداد اعتبارات نصر الله، فيذكر عدم مسارعة الحكومة الإسرائيلية للاستجابة الى مطالبه، وخشيته من إمكان إعلان الحكومة عن الجنديين الأسيرين لدى حزب الله، على أنهما قتيلان، «وهذا يعني أنه لن يحصل على ما يريد في مقابل أموات». لذلك، يحاول نصر الله، في رأي يشاي، «خلط الأوراق، وهز السفينة من خلال إدخال أشلاء الجثث الى المعادلة».
إضافة الى ذلك، رأى بن يشاي أن نصر الله يحاول أيضاً «خلق بؤرة توتّر جديدة على الحدود بين لبنان وإسرائيل من خلال إشارته الى الأحداث الأخيرة التي شهدتها المناطق الحدودية». ولفت الى ضرورة التعامل بجدية مع التصريحات التي أطلقها نصر الله «كما هي الحال مع سائر تصريحاته».